الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل يدخل في قول الله تعالى: والعافين عن الناس ـ الذي يعفو عن إساءة لعجز أو عدم قدرة أو افتراق الشخصين لعمل، أو بعد مسافة؟ وما الفرق بين العفو والمسامحة؟ وكلمة توجيهية لمن يرد الإهانة بإهانة، وفضل التسامح، وأن الإهانة ليست بذلك الشيء الكبير، وتوهمه أنه سيعيش بدون كرامة طول حياته، وأن الشخص قادر على تجاوزها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان ترك المظلوم لحقه وعدم معاملته للمسيء بالمثل لا لشيء إلا أنه عاجز عن الانتقام، ولولا عجزه لأخذ بحقه من المسيء، وأنه لو تمكن من الإساءة إليه لفعل، فهذا لا يسمى عفواً، ولا يسقط به حق المظلوم عمن أساء إليه، ولا يدخل في معنى الآيات المذكورة في فضل العفو، لأنه مكره على ذلك، فلم يعف عن رضى وطيب نفس، بل لم يعف أصلا،
والذي يستحق أن يسمى عفوه عفواً، ويدخل في معنى الآيات التي ترغب في العفو؛ هو الذي يعفو برضاه وطيب نفسه.. ويلحق به من عجز، ولكنه وطن نفسه على العفو بحيث إنه لو قدر لم يتغير حاله، ويظل على طيب نفسه ورضاه بالعفو.. وانظر الفتوى رقم: 133210.

وأما العفو والمسامحة: فمعناهما متقارب، وهو الصفح والتنازل عن الحق، فالعفو معناه كما جاء في لسان العرب: هو التجاوز عن الذنب، وعدم العقاب عليه، وأصله المحو والطمس. اهـ

وجاء في مختصر منهاج القاصدين: معنى العفو أن تستحق حقاً فتسقطه، وتؤدى عنه من قصاص أو غرامة. اهـ

وجاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: .. سامحه، ستره بالعفو والمسامحة. اهـ

والأولى والأفضل للمسلم أن يعفو عمن ظلمه، فقد جاء الشرع بحث المسلم على العفو والمسامحة، وأن العفو أقرب للتقوى، وأن من عفا وأصلح فأجره على الله، وانظر الفتويين رقم: 5338، ورقم: 24753.

وتوهم الشخص أنه إذا عفا سوف يعيش بدون كرامة خطأ ووسوسة من الشيطان ليبعده عن فضيلة العفو، فالعفو سبب في العزة والكرامة.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. رواه مسلم.

ونصوص الوحي في هذا المعنى كثيرة، ومن يرد الإهانة بالإهانة يكون قد أخذ بحقه، وحرم نفسه من الأجر العظيم الذي وعد الله تعالى به العافين والمصلحين، فقد قال الله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 40 ـ43}.

وقال تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {التغابن:14}.

لذلك ننصح بالعفو والمسامحة، ولا سيما إن كان من ظلمه نادما غير مصر على الظلم والإهانة؛ احتسابا لموعود الله تعالى الذي لا يخلف وعده، نسأل الله تعالى أن يرزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني