الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السكن المستقل من حقوق الزوجة

السؤال

تزوجت منذ خمس سنوات ونصف، وسكنت في أمريكا مع زوجي. بعد سنة من الزواج، حملت، ومن شدة سعادة زوجي بعث لأهله (أمه وأبيه) ليفاجأهم بالخبر. المفاجأة كانت أنه حجز لهم ليجلسوا معنا ستة أشهر! فهل يجوز له أن يفعل هذا دون أن يشاورني؟
أخبرته بمشاعري، بأني لا أستطيع تحمل وجود أحد في منزلي، يطلع على خصوصيتي طيلة هذه المدة. وأني لم أطلب منه ألا يحضر أهله، ولكني طلبت منه العدل بيني وبينهم، بحيث يبقون معنا فترة أتحملها مثل 3 شهور كحد أقصى. لم يسمعني، ولم يعرني أي اهتمام. وطيلة وجود أهله أهملني، وأهمل حقوقه الزوجية علي. كما أني تحملت مزاجية أمه، وانتقاداتها اللاذعة، وتدخلات والده. حتى إنه كان يدخل علينا غرفة النوم ساعة الفجر، بحجة إيقاظ ابنه للصلاة! وأمه دخلت علي الحمام مرتين. والده كان يدخل غرفتي دون استئذان، ويكشف عورتي وأنا أرضع طفلتي! برغم أني كنت أشتكي لزوجي ولأهله، إلا انهم لم يجدوا أن لي أي حق في خصوصيتي.
سكت محاولة الحفاظ على عائلتي، حيث إني أحب زوجي، ولا أريد إلا أن أعينه على بر والديه، ولو على حساب راحتي وحقوقي. ولكن ما حصل بعدها أن زوجي قدم طلب هجرة لأهله، ومرة أخرى دون مشاورتي، وجاء أهله وجلسوا معنا سنة كاملة، ويأتون الآن ستة أشهر ويغيبون ستة أشهر. وعندما أنزل إجازة يريدونني أن أقضيها معهم، ولا أزور أهلي!؟
بصراحة قويت لهجتي مع زوجي، وهددت بتركه إن لم ينصفني. بدأ يستمع إلي، ويسمح لي بقضاء نصف الإجازة مع أهلي. ولكن مشكلتي في سكن أهله معنا، حيث إنه لا خصوصية، وتدخلات في تربيتي لأطفالي، وبيني وبين زوجي، وكيف أدبر منزلي. حماتي احتلت المطبخ، بمعنى أنها تريد أن تطبخ دائما. ولو طبخت أنا يتعكر مزاجها، فلا تريد أن تعترف أني أجيد الطبخ. إذا وجدتني جالسة جنب زوجي تغار، وتفتعل مشكلة بلا داع. وزوجي برغم معرفته أني لم أتعرض لأذية والدته، إلا أنه لا يدافع عني، ويجبرني على الاعتذار منها، وبلغت الوقاحة بحماتي أنها لا تقبل مسامحتي؟! مع أن الجميع يعلم أني لم أخطئ أبدا! طلبت من زوجي استئجار شقتين متجاورتين، لم يقبل. طلبت منه أن أنزل إجازتي 3 شهور بنفس فترة وجود أهله معنا، بحيث أقضي معهم 3 شهور، وأغادرهم 3 شهور، فلم يقبل. طلبت منه أن يحجز لأهله مرتين بالسنة كل فترة 3 شهور ولم يقبل. وجدت نفسي تعيسة، لا حقوق لي. أهله يعلمون بتعاستي، ولا يهتمون. طلبت منه حقي الشرعي في سكن خاص مستقل، وإلا فسأتركه، حيث إن هذا الوضع لا يجوز، فقد اكتشفت الكثير من أهله، ليجعلني أفقد احترامي، ومحبتي لهم. فقام زوجي بشراء منزل كبير يتكون من طابقين. وضع أهله في الطابق السفلي، وأنا في الطابق العلوي. إلا أن الطابقين ليسا منفصلين، وليست لي خدمات كاملة فوق سوى حمام. علما أن والده يصعد متى يشاء فوق، ووالدته تصعد أحيانا، وتدخل غرفتي دون استئذان. ما زلت أرفض الوضع، حيث إن هذا لا يحقق لي مسكني الخاص، ولا يحقق لي خصوصيتي. عندما تحدثت مع والد زوجي بالموضوع، كان رد أهل زوجي هذا بيتنا نجلس به المدة التي نريد، وأنت ارحلي، وطلبوا من زوجي أن يسفرني إلى منزل أهلي!! عاد زوجي بعد تفكير طويل ليوافق على طلبي، بأن أزور أهلي 3 أشهر في نفس فترة وجود أهله في منزلنا. والآن أنا أطالبه بإغلاق باب نهائيا يفصل بين مسكني عن مسكن أهله، ويهيئ لي مطبخا صغيرا في الأعلى أدبر به أموري، ولكن زوجي يرفض إغلاق هذا الباب الفاصل!!!؟ كيف سيحقق لي مسكني الخاص إن لم يكن مستقلا؟ وإن كنت عرضة لتدخلات أهله واقتحامهم لخصوصيتي، وكشفهم لعورتي؟
أرجو الإفادة شرعا ما لي وما علي؟ وهل يجوز لزوجي أن يقرر دون استشارتي؟ وهل يحق لأهله أن يحتلوا منزلي بهذا الشكل، ويتجاهلوا ويقللوا من شأني. علما أن أهل زوجي ليسوا عاجزين، فهم قادرون على خدمة أنفسهم وغيرهم، وهم غير محتاجين فلهم رصيد وفير في البنك، ولديهم منزل في الأردن، ومنزل في فلسطين. كما أن ابنهم الأكبر متزوج، ويسكنهم فوقهم في عمان، ولا يأكل إلا معهم، ولهم ابنة متزوجة في عمان أيضا، تودهم كثيرا، وتحب زيارتهم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن أراد زوجك أن يبر والديه، ويستقدمهما للبلد الذي يقيم فيه، فله ذلك، ولكن في الوقت ذاته، من حقك كزوجة أن تكوني مستقلة في السكن، بحيث لا يلحقك حرج بوجودهما معكم، فقد نص الفقهاء على أن للزوجة الحق في أن تكون في مسكن مستقل، لا يلحقها فيه ضرر، وأنها لا يلزمها السكن مع أقاربه أو غيرهم، وراجعي الفتوى رقم: 66191. ولا يلزم زوجك أن يستشيرك في استقدام والديه، ولكن عليه استئذانك إن رغب في إقامتهما معكم.

وإن صح ما ذكرت من هذه التصرفات الغريبة التي تصدر عن والديه من الاطلاع على الخصوصيات، والدخول عليك من غير مراعاة للضوابط الشرعية، فهي من المنكرات الشنيعة، وعلى زوجك أن يعمل بحكمة على دفع الأذى عنك، والحيلولة دون قيامهما بذلك. وينبغي أن يتفهم زوجك الأمر، ويجتهد في البحث عن سبيل لجعلهما في مسكن خاص، أو في جانب من بيته مستقل بمرافقه، كما أشرت عليه بذلك، والتفاهم والاحترام المتبادل بن الزوجين، من أفضل ما يمكن أن تتجاوز به المشاكل في الحياة الزوجية. والعناد والإصرار على الخطأ، قد تكون عاقبته وخيمة، فيستغله الشيطان ليفرق شمل الأسرة.

ومن المطلوب شرعا حسن التعامل بين الأصهار، تقديرا لهذه الرابطة العظيمة التي جمعت بينهم، وهي من دلائل قدرة الله عز وجل، ونعمته على عباده التي امتن بها عليهم، قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}، وللأمة أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان خير الناس لأصهاره، من تزوج منهم، ومن تزوجوا منه. وأما التعامل بشيء من روح العداء -كما هو حاصل في مثل حالتكم- فهذا أمر خطير، قد يكون فيه ضرر الدين، وضرر الدنيا.

ونوصيك بكثرة الدعاء أن يصلح الله تعالى من حال زوجك وأهله، وابذلي النصح بالحسنى لكل من يسيء منهم، ولا بأس بأن تستعيني بالفضلاء والعقلاء من الأقارب أو غيرهم، ممن يرجى أن يكون قولهم مقبولا، ويعينون على الإصلاح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني