الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في استعمال اللين في موضعه والشدة في موضعها

السؤال

إخواني لدي مشكلة، وأريد منكم الإرشاد.
أنا شخص في حقيقتي طيب القلب، يستطيع أي شخص بمعاملة حسنة جَرِّي والنصب علي في المال، وحصلت لي للأسف كثيرا، وطبعا هذا يجعل قلبي لينا، سهل الخشوع لله عز وجل.
ولكن أنا سوري أعيش في أوروبا، واكتشفت أن المعاملة بحسن النية لا تنفع في بلاد الغرب، يجب أن تكون قاسيا وشديدا مع الجميع من غير المسلمين، لذلك بحمد الله وقدرته استطعت تغيير شخصيتي إلى القاسية والشديدة، ولكن على الحق فقط، وليس ظلما لأحد، ولكن هذا يجعل قلبي قاسيا، ويصعب عليه الخشوع لله سبحانه.
فما هي نصيحتكم: هل أعود كما كنت، أم أحاول أن أعدل بين معاملتي مع الناس، ومع الله سبحانه ودينه، وما يحتويه -وهذا صعب جدا- أم أكثر من ذكر الله، وأبقى كما أنا؟
أخبروني ماذا أفعل؟
شكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمؤمن هين لين، قريب سهل، يجمع بين الرقة للمؤمنين، والشدة على الكفار والمنافقين، كما وصف الله أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ {الفتح:29}، وقال في وصف عباده المؤمنين: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ {المائدة:54}.

قال ابن القيم -رحمه الله-: قلب المؤمن قد جَمَعَ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ: فَهُوَ يَرْحَمُ، وَيُحْسِنُ، وَيَتَحَنَّنُ وَيُشْفِقُ عَلَى الْخَلْقِ بِرِقَّتِهِ. وَبِصَفَائِهِ تَتَجَلَّى فِيهِ صُوَرُ الْحَقَائِقِ وَالْعُلُومِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَيُبَاعَدُ الْكَدَرُ وَالدَّرَنُ وَالْوَسَخُ بِحَسَبَ مَا فِيهِ مِنَ الصَّفَاءِ، وَبِصَلَابَتِهِ يَشْتَدُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَصَلَّبُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَغْلُظُ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُومُ بِالْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَالْآنِيَةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَرَقُّهَا وَأَصْلَبُهَا وَأَصْفَاهَا. انتهى.

فلا تعارض بين هذه الصفات، ولا ينبغي أن يغلب على المؤمن جانب منها دون الآخر، بل عليه أن يتصف بها كلها؛ ليحصل له كمال الإيمان، فلا هو بالخب الذي يخدع الناس، ولكن الخب الخداع لا يستطيع خداعه؛ لذكائه وفطنته، فسر على هذه الجادة، عاملا بما ذكرناه لك، حريصا على الاتصاف بكل صفة من هذه الصفات في موضعها، مستعينا على تحقيق ذلك بالله تعالى، متوكلا عليه في هدايتك لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو سبحانه، وفي صرف سيئها عنك؛ فإنه لا يصرف سيئها إلا هو سبحانه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني