الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكفاءة في الزواج... رؤية شرعية واقعية

السؤال

ما حكم الإسلام في من كان اْحد والديه اْو اْقاربه من عديمي الكفاءة في مجتمعتنا كمجهول النسب وصاحب الحرفة البسيطة والزواج من خارج القبيلة اْو من عشيرة أخرى؟ وكيف يضع الحثالة تشريعات الإسلام ويجعلون الفقهاء يضعون اجتهاداتهم حسب ثقافة جاهلية تعير الولد باْمه واْبيه، وهذا الاْمر يختلف من اْمة لاْخرى حسب تقدمها، فليست الكفاءة في اليمن كالكفاءة في ألبانيا أو تركيا؟ وكيف لشخص من الحثالة يوْمن بثقافة جاهلية يكون هو من يجعل الفقهاء والعلماء المعاصرين يضعون اجتهاداتهم حسب ثقافته القذرة؟ ومن الغريب اْن شخصا يجلب العار للعرب والمسلمين هو من يضع القوانين بينما شخص محترم لم يقدر الله له في مجتمعنا اْن يكون خريج جامعة اْو قدر الله له اْن يكون اْحد والديه فيه عيب خطير اْو ذنب مشين يصبح عديم الكفاءة بينما الاْول لو سافر إلى إحدى الدول المتقدمة لاْصبح عالة وعارا عليهم اْعني هنا الشخص الموْمن بالثقافة الجاهلية يستطيع التخلص منها ولا يريد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنعيذك بالله تعالى من فحش القول، وزيغ القلب، وغلبة الهوى، فلا يليق بعاقل ـ فضلا عن مسلم ـ أن يصف اجتهاد عالم ونظره في الأدلة بكونه حثالة أو قذارة، حتى وإن كان قوله مرجوحا!! فإن أهل العلم المؤهلين مأجورون على اجتهاداتهم على أية حال، فللمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر واحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. متفق عليه.

وقال البخاري في صحيحه: باب متى يستوجب الرجل القضاء، وقال الحسن ـ أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا الناس، ولا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا، ثم قرأ: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب... وقرأ: وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ـ فحمد سليمان ولم يلم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين لرأيت أن القضاة هلكوا، فإنه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده. اهـ.

وقال البغوي في تفسيره: قوله عز وجل: ففهمناها سليمان ـ أي علمناه القضية وألهمناها سليمان: وكلا ـ يعني داود وسليمان: آتينا حكما وعلما ـ قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا، ولكن الله حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده. اهـ.
ولا يعرف مقادير أقوال أهل العلم إلا من يعرف مداركها ومقاصدها، وأوجه دلالتها.. ومثل هذا لا يخلو من إحدى حالين: فإما متابعة في الصواب، وإما معذرة في الخطأ.

ومسألة الكفاءة المعتبرة في النكاح، محل خلاف بين أهل العلم، قد سبق لنا بيانه في عدة فتاوى، وأن الراجح هو قصر الكفاءة على الدين، فالمسلم الصالح كفء لأية مسلمة، قال العيني في عمدة القاري: قال المهلب: الأكفاء في الدين هم المتشاكلون وإن كان في النسب تفاضل بين الناس، وقد نسخ الله ما كانت تحكم به العرب في الجاهلية من شرف الأنساب بشرف الصلاح في الدين، فقال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم {الحجرات: 31}. اهـ.

وراجع في ذلك ما أحيل عليه في الفتويين رقم: 153359، ورقم: 998.

وأما وجه اعتبار الكفاءة فهو معقول المعنى، قائم في العقول السليمة، من حيث المراعاة والأفضلية، وإنما الخلاف في اشتراطه لصحة عقد الزواج أو استدامته، قال القسطلاني في إرشاد الساري: ولأن النكاح يعقد للعمر، ويشتمل على أغراض ومقاصد كالازدواج والصحبة والألفة وتأسيس القرابات، ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء، وقد جزم مالك ـ رحمه الله ـ بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين، لقوله عليه الصلاة والسلام: الناس سواء لا فضل لعربي على عجمي، إنما الفضل بالتقوى، وقال تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم {الحجرات: 13} وأجيب: بأن المراد به في حكم الآخرة، وكلامنا في الدنيا... اهـ.
وقال الدهلوي في حجة الله البالغة: هي ـ يعني الكفاءة ـ مما جبل عليه طوائف الناس، وكاد يكون القدح فيها أشد من القتل، والناس على مراتبهم والشرائع لا تهمل مثل ذلك، ولذلك قال عمر رضي الله عنه: لأمنعن النساء إلا من أكفائهن. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: وجه اعتبارها عندهم، أن انتظام المصالح يكون عادة بين المتكافئين، والنكاح شرع لانتظامها، ولا تنتظم المصالح بين غير المتكافئين، فالشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس، وتعير بذلك، ولأن النكاح وضع لتأسيس القرابات الصهرية، ليصير البعيد قريبا عضدا وساعدا، يسره ما يسرك، وذلك لا يكون إلا بالموافقة والتقارب، ولا مقاربة للنفوس عند مباعدة الأنساب، والاتصاف بالرق والحرية، ونحو ذلك، فعقده مع غير المكافئ قريب الشبه من عقد لا تترتب عليه مقاصده. اهـ.

وجاء في كتاب عودة الحجاب: وإنما كان مقصودهم بهذا توفير دواعي الاستقرار والانسجام في الأسرة، وتجنب دواعي الشقاق والضرر والتنغيص. اهـ.

والمقصود هو الإشارة لوجه اعتبار الكفاءة في الزواج، ليعلم السائل أن القول باشتراطها فيه له وجاهته! حتى وإن كان الراجح خلافه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني