الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة لمن يصر على المعصية محتجا بالظروف متكلا على عفو الله

السؤال

أنا طالب في الصف الثاني الثانوي، وفي الامتحانات كلنا نغش، ولكنني بعدما عرفت أنه محرم، وأنه من الكبائر لم أعد أغش، وأحاول قدر المستطاع وأريد أن أساعد أصدقائي وأنصحهم بعدم الغش، ولي صديق كلما أخبرته عن هذا الموضوع يضع لي مبررات ليس لها أي معنى؛ مثل أن المجتمع يفرض عليه هذا، وأن الله غفور رحيم، وأنه يجب أن يخطئ حتي يتعلم... وأريد الرد على هذه الأسئلة من القرآن والسنة، ويقول إنه بعد الغش سوف يتوب، فكيف يمكنني الرد على هذه الأسئلة بإجابات مقنعة؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك، وأن يجعلك هاديا مهديا، وما ذكرته عن صاحبك ليست أسئلة أو حججا تفتقر إلى إجابات، بل هي أهواء وشهوات لنبذ النصيحة وردها، والمضي في الغش، ومثل هذا لا يحتاج إلى أجوبة وحجج وأدلة، لأنه لا يجهل تحريم الغش، وإنما يحتاج إلى موعظة وتخويف وترهيب وتذكير، لأنه إنما يحتال ويكابر لئلا يقلع عن الغش الذي يعلم حرمته.

وعلى كل حال، فإن مما لا يُرتاب فيه أن الإصرار على الذنب بالدعاوى التي ذكرتها من ضغط المجتمع، أو سعة مغفرة الله، أو بالعزم على التوبة في المستقبل أو غيرها كل ذلك من مما يغالط به الجهال المغترون أنفسهم، يقول ابن القيم في الجواب الكافي: فإن العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته ولابد، ولكن تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة، وبالتسويف بالتوبة والاستغفار باللسان، ثم قال: وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن، الفرق بين حسن الظن والغرور فإن قيل: بل يتأتى ذلك، ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله، ورحمته وعفوه وجوده، وأن رحمته سبقت غضبه، وأنه لا تنفعه العقوبة، ولا يضره العفو، قيل: الأمر هكذا، والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة، والعزة والانتقام، وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة، فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر، والمؤمن والكافر، ووليه وعدوه، فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرض للعنته، ووقع في محارمه، وانتهك حرماته، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع، وبدل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ثم أحسن الظن، فهذا هو حسن ظن، والأول غرور، والله المستعان، ولا تستطل هذا الفصل، فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد يفرق بين حسن الظن بالله وبين الغرور به، قال الله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم {البقرة: 218} فجعل هؤلاء أهل الرجاء، لا البطالين والفاسقين، قال تعالى: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم {سورة النحل: 110} فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها، فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه، ثم قال: وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، وضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند، قال معروف: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق، وقال بعض العلماء: من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم، لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا، وقيل للحسن: نراك طويل البكاء، فقال: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي، وكان يقول: إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: لأني أحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل، وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفونا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: والله لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف. اهـ.

ثم أفاض في ذكر جملة من نصوص الوعيد على المعاصي، فيحسن بك الرجوع إليه وإيقاف صاحبك عليه، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 94839، ورقم: 229279.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني