الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلاة المرأة في الثياب الضيقة

السؤال

معظم صلاتي في المنزل بالملابس التي أرتديها، ومعظمها بناطيل، فهل تجوز الصلاة بتلك الملابس؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالمفتى به عندنا جواز صلاة المرأة في البنطال الواسع الذي لا يحجم جسمها، وتكره صلاتها في السراويل الضيقة كراهة شديدة، وقد تصل إلى حد التحريم، ولكنها صحيحة، إذا كانت هذه السراويل تستر لون البشرة، قال ابن قدامة: فإن كان خفيفًا يُبَيِّن لون الجلد من ورائه ـ فيُعلم بياضه، أو حمرته ـ لم تجز الصلاة فيه؛ لأن الستر لا يحصل بذلك، وإن كان يستر لونها، ويصِف الخلقة، جازت الصلاة؛ لأن هذا لا يمكن التحرّز منه، وإن كان الساتر صفيقًا. انتهى.

وقد نص الشافعي على كراهة الصلاة في الثياب الضيقة، ونص على أن الكراهة في حق المرأة أشد، قال -رحمه الله-: وإن صلى في قميص يشف عنه، لم تجزه الصلاة، فإن صلى في قميص واحد يصفه، ولم يشف، كرهت له، ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة، والمرأة أشد حالًا من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها، وأحب إليّ أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك، وتجافيه عنها؛ لئلا يصفها الدرع. انتهى.

فالذي ينبغي للمرأة في الصلاة أن تصلي في ثياب تستر جميع البدن، خلا الوجه والكفين، وشرطها أن تكون فضفاضة، لا تصف حجم البدن؛ لحديث أم سلمة ـ رضي الله عنها: أنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار، ليس عليها إزار؟ فقال: إذا كان الدرع سابغًا، يغطي ظهور قدميها. رواه أبو داود بإسناد جيد، كما قال النووي، ولكن صوب الدارقطني وقفه على أم سلمة، ومثله لا يُقال بالرأي.

وعن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: كساني رسول الله قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال: ما لك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي، فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها. رواه أحمد، وحسنه الألباني.

وبه يظهرُ أن المرأة ليس لها أن تلبس من الثياب ما كان ضيقًا، يصفُ حجم العظام في الصلاة، فإن الله أحق أن يُستحيى منه من الناس، وقد أمر تعالى بأخذ الزينة في الصلاة فقال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ {الأعراف :31}.

وجاء عن كثير من السلف والأئمة التشديد في أمر لبس المرأة الثياب الضيقة في الصلاة، قال مكحول: سألت عائشة: فبكم تصلي المرأة؟ فقالت: ائت عليًّا فاسأله، ثم ارجع إلي، فقال: في درع سابغ وخمار، فرجع إليها، فأخبرها، فقالت: صدق. رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة.

وقد سئل الإمام أحمد: المرأة في كم ثوب تصلي؟ قال: أقله درع وخمار، وتغطي رجليها، ويكون درعًا سابغًا يغطي رجلها. انتهى.

وقال الإمام أحمد أيضًا: قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار وما زاد، فهو خير وأستر، ولأنه إذا كان عليها جلباب، فإنها تجافيه راكعة وساجدة؛ لئلا تصفها ثيابها، فتبين عجيزتها، ومواضع عورتها. انتهى.

وقال ابن عبد البر: والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيقٍ سابغٍ، وتخمر رأسها، فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها. انتهى.

وبهذا كله يظهر ما قدمناه من كراهة صلاة المرأة في الثياب الضيقة، وأنها في ذلك أشد حالًا من الرجل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني