الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحلف بالخروج من الإسلام

السؤال

كنت أشاهد أفلامًا إباحية، فحلفت أو قلت: إنني لو شاهدتها مرة أخرى، فسوف أخرج من الإسلام، وأكون غير مسلمة، وللأسف رجعت وشاهدتها، ثم قلت: خلاص، أنا لست مسلمة، وشاهدتها بعد ذلك كثيرًا، وبدأت أقول لنفسي: أنت غير مسلمة، وكنت أستمتع بالمشاهدة، ومرة أقول: إنني مسيحية، أو يهودية، فماذا أفعل؟ وأتصرف وكأني غير مسلمة، وكنت أفكر بداخلي أنني أريد العودة للإسلام، فأبيح لنفسي المشاهدة بصفتي غير مسلمة، وبعدها بدأت بممارسة العادة السرية، وأتكلم مع الشباب، وبدأت أتندم، وأحلف أنني لو عملت العادة السرية، أو تكلمت مع الشباب... فسأخرج من الإسلام، وأرجع مرة أخرى، والآن جاء رمضان وأريد الدخول في الإسلام، وأترك العادة السرية، وفعلًا تركتها، وتركت التكلم مع الشباب، وعندي وسواس قوي، وأخيرًا نطقت الشهادتين، واغتسلت غسلًا عاديًّا، ليس على السنة، فهل أنا غير مسلمة؟ وهل غسلي صحيح، حيث اغتسلت بنية الدخول في الإسلام، ونية التطهير من المذي، أو من الجنابة، أو من كل شيء؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فننصحك بالبعد عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الوساوس, واشغلي نفسك عنها بالتعلم، والعمل الصالح، واعلمي أن الكفر ليس بالهين, ومن دخل في الإسلام بيقين، فلا يخرج منه إلا بيقين, ولا مدخل للاحتمالات فيه, فمن صدر منه شيء يحتمل الردة وغيرها، لا يكفر بذلك, كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجهًا، تشير إلى تكفير مسلم, ووجه واحد على إبقائه على إسلامه, فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم, فإن وجدتم للمسلم مخرجًا، فخلوا سبيله, فإن الإمام لأن يخطئ في العفو، خير له من أن يخطئ في العقوبة ـ رواه الترمذي، والحاكم. اهـ.

وعليك بالتوبة الصادقة، والإكثار من الاستغفار، فإن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها، ولا حرج في الاستغفار من الشرك المحتمل حصوله, قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى: 25}، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.

وعن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, فقال: يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه، وهو أخفى من دبيب النمل -يا رسول الله-؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه, ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد, وحسنه الألباني.

ثم إنه لا يجوز الحلف بالخروج من الإسلام، ولكن هذا لا يجعل الحالف كافرًا، فقد روى أبو داود، والنسائي، عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حلف فقال: إني بريء من الإسلام! فإن كان كاذبًا، فهو كما قال ـ عقوبة له على كذبه ـ وإن كان صادقًا، فلن يرجع إلى الإسلام سالمًا.

وقد حمل كثير من أهل العلم هذا على التهديد والمبالغة، ولم يكفروا بهذا القول، فقد قال ابن حجر في الفتح: قال ابن المنذر: اختلف فيمن قال: أكفر بالله، ونحو ذلك إن فعلت، ثم فعل، فقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وقتادة، وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه، ولا يكون كافراً إلا إن أضمر ذلك بقلبه، وقال الأوزاعي، والثوري، والحنفية، وأحمد، وإسحاق: هو يمين، وعليه الكفارة، قال ابن المنذر: والأول أصح؛ لقوله: من حلف باللات والعزى، فليقل لا إله إلا الله ـ ولم يذكر كفارة. زاد غيره؛ ولذا قال: من حلف بملة غير الإسلام، فهو كما قال ـ فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني