الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نكاح الكتابيات.. رؤية شرعية

السؤال

ما حكم من قال إنه لا يحل للمسلم الزواج من أي كتابية؛ لأن معظمهن مشركات الآن. وكان قوله هذا مبنيا على أنه سمع شيخا يقول هذا.
فهل يكون حرم حلالا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمثل هذا لا يكون حرَّم حلالا، وإنما هو مقلد لهذا الشيخ الذي سمعه يقول ذلك، وهذا القول ينسب لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.

قال ابن كثير في تفسيره: كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}، الآية [البقرة: 221]. اهـ.

وقد نسب أبو الحسن المالكي في شرحه لرسالة ابن أبي زيد القيرواني (كفاية الطالب الرباني) القول بالحِلِّ لأكثر أهل العلم.

فقال العدوي في حاشيته: ومقابله ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لا يجوز نكاح الكتابية الحرة؛ محتجا بآية البقرة، فقال: لا أعلم شركا أعظم من قولها: إن ربها عيسى. اهـ.
وهذا القول مخالف لظاهر القرآن، ولقول جماهير أهل العلم، بل لقد حكي الإجماع على خلافه.

ففي تفسير البغوي: الآية - يعني آية البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }- منسوخة في حق الكتابيات؛ لقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5]، وبخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبإجماع الأمة. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: ليس بين أهل العلم - بحمد الله- اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب. وممن روي عنه ذلك: عمر، وعثمان، وطلحة، وحذيفة وسلمان، وجابر، وغيرهم.

قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك. وروى الخلال، بإسناده، أن حذيفة، وطلحة، والجارود بن المعلى، وأذينة العبدي، تزوجوا نساء من أهل الكتاب. وبه قال سائر أهل العلم. وحرمته الإمامية؛ تمسكا بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة: 221] ، {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10].

ولنا: قول الله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات} إلى قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن} [المائدة: 5]. وإجماع الصحابة.

فأما قوله سبحانه: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221] . فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة. وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الأخرى؛ لأنهما متقدمتان، والآية التي في أول المائدة متأخرة عنهما ... اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: نكاح الكتابية جائز بالآية التي في المائدة، قال تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5]. وهذا مذهب جماهير السلف، والخلف من الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد روي عن ابن عمر أنه كره نكاح النصرانية، وقال: لا أعلم شركا أعظم ممن تقول: إن ربها عيسى ابن مريم. وهو اليوم مذهب طائفة من أهل البدع، وقد احتجوا بالآية التي في سورة البقرة، وبقوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10]. والجواب عن آية البقرة، من ثلاثة أوجه ... اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني