الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَن مات بتناول السموم، هل كان سيعيش أكثر لو لم يتناولها؟

السؤال

أريد أن أعرف عن القضاء والقدر.
لو دخنت ومتّ بسبب الدخان وعمري 50 سنة، فهل يمكن أن أعيش 60 أو أكثر لو لم أدخن؟ أم إن الموت واحد، لكن بطرق تختارها أنت؟ وشكرًا سلفًا على الإجابة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الله عز وجل بحكمته قدر المقادير، وجعل لها أسبابًا تقع بها، قال ابن تيمية: وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم؛ فإنما قدره الله بأسباب يسوق المقادير إلى المواقيت، فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات.

ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.

ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب؛ فإن المطر إذا نزل، وبذر الحب، لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لا بد من ريح مربية -بإذن الله- ولا بد من صرف الانتفاء عنه؛ فلا بد من تمام الشروط، وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره. وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم من أنزل ولم يولد له؛ بل لا بد من أن الله شاء خلقه، فتحبل المرأة، وتربيه في الرحم، وسائر ما يتم به خلقه من الشروط، وزوال الموانع. اهـ.

ومن ذلك: أن الله سبحانه جعل تناول السموم سببًا للهلاك، كما جعل التداوي سببًا للشفاء، وهكذا.

لكن الهلاك له أسباب متعددة، وليس له سبب واحد، فمن ترك تناول السموم، يكون قد اجتنب سببًا من أسباب الموت، لكن لا يمتنع أن يموت بسبب آخر من أسباب الهلاك الكثيرة.

وتقدير أَن من مات بتناول السموم -مثلًا- لم يتناولها، هو فرض خلاف ما في المقدور، فلا يمكن الجزم بأنه سيموت في نفس الأجل، أو لن يموت فيه إن لم يتناول تلك السموم، وقد بيّن ابن تيمية هذا المعنى، فقال: ومن هذا الباب أن المقتول يموت بأجله عند عامة المسلمين، إلا فرقة من القدرية قالوا: إن القاتل قطع أجله. ثم تكلم الجمهور: لو لم يقتل؟ فقال بعضهم: كان يموت؛ لأن الأجل قد فرغ. وقال بعضهم: لا يموت لانتفاء السبب.

وكلا القولين قد قاله من ينتسب إلى السنة، وكلاهما خطأ، فإن القدر سبق بأنه يموت بهذا السبب، لا بغيره، فإذا قدر انتفاء هذا السبب، كان فرض خلاف ما في المقدور، ولو كان المقدور أنه لا يموت بهذا السبب، أمكن أن يكون المقدر أنه يموت بغيره، وأمكن أن يكون المقدر أنه لا يموت، فالجزم بأحدهما جهل، فما تعددت أسبابه لم يجزم بعدمه عند عدم بعضها -ولو لم يجزم بثبوته إن لم يعرف له سبب آخر-، بخلاف ما ليس له إلا سبب واحد، مثل دخول النار؛ فإنه لا يدخلها إلا من عصى، فإذا قدر أنه لم يعص لم يدخلها. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 14623، والفتوى رقم: 254362.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني