الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

مشكلتي -جزاكم الله خيراً- أنا فتاة ملتزمة منذ صغري.
تزوجت، وعانيت كثيراً مع زوجي من سوء العشرة وعدم التوافق، وعجزه عن الدخول بي منذ أول ليلة لأسباب أجهلها. وعانيت كثيراً من ضيق الصدر، والنفور من زوجي، والكوابيس المتكررة والإغماء بدون سبب. وكل فترة تصيبني أعراض غريبة تختفي، ويأتي غيرها. خلال ذلك كنت أنفصل تدريجياً عاطفياً وجسدياً عن زوجي. طلبت الطلاق أكثر من مرة، ولكن لأنه قريبي رفضت العائلة. في تلك الفترة تعرفت دون قصد على شاب في النت، ولم أكن أنوي أبداً إقامة أي علاقة معه، لكن لم أجد نفسي إلا وأنا أحبه جداً، ومتعلقة به. فلم أخبره بأمر زواجي، وبعد مدة طلب مني الزواج، ولم أخبره أيضاً خوفاً من أن يتركني. بل على العكس جعلته ينتظر ذلك. تحت الضغط النفسي، وتأنيب الضمير والخوف من الله. حاولت أن أخبره، فعجزت وكأنني لست أنا !! كنت أعزم على تركه، وأفارقه لأيام ولمرات عديدة، ثم أعود. ومرت السنين على هذا الحال، وكنت قد التحقت بمركز تحفيظ القرآن، وبدأت أشعر بالتعب أثناء القراءة، وازداد الأمر. فذهبت إلى الرقاة، وأخبرني بعضهم أنني مصابة بالعين، وبعضهم بالحسد والسحر. تجاهلت الأمر حتى أكتشف يوماً هذا الرجل من أنا. واعترفت له، وافترقنا في وضع مؤلم لكلينا، ولم أسلم من لسانه ودعائه عليّ. بعدها قررت طلب الطلاق من زوجي؛ لأنني شعرت بأن بقائي مع رجل أكرهه قد كان من الأسباب التي فتنتني في ديني. ذهبت لأهلي، وبدأت في زيارة راق معروف، وقال بأنني مسحورة، وكنت بالفعل أتعب جداً أثناء الرقية. سؤالي: هل يمكن أن يكون للسحر دور فيما فعلته بذلك الرجل؛ لأنني لم أكذب في حياتي في أبسط الأشياء، لكنني كنت أكذب عليه برغم تعبي النفسي، وعدم رضاي عن كل ذلك. ولأنني لم أؤذِ أحداً من قبل بل العكس. أتحرى الصدق في كل شيء، وأساعد الناس بعيدهم قبل قريبهم. فهل للسحر دور فيما فعلت ؟؟ وكيف تقبل توبتي، وحقوق العباد عالقة برقبتي وهو يشكوني، ويدعو عليّ؛ لأنه عانى من أمور كثيرة تلك الفترة بسبب ارتباطه بي؟!
إن لم يكن بسبب السحر. هل هو مرض نفسي؟! بدأت أوسوس؛ لأنني أعرف أنني لست كذاك، وكأنني أعيش مع إنسانة لا أعرفها تحديدا في هذا الأمر.
أم هل هو مرض نفسي؟ أم أنا سيئة، وأبحث لنفسي عن تبريرات؟!!!!
أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان زوجك قد أساء عشرتك، فهو مخطئ، ومخالف للتوجيه الرباني في قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وهذا الأمر -نعني حسن العشرة- مطلوب من كل من الزوجين تجاه الآخر، فيلين له الجانب، ويحسن معاملته، ويؤدي إليه حقه عليه، ولمعرفة الحقوق بين الزوجين راجعي الفتوى رقم: 27662.

وهذه الأعراض التي ذكرت أنها تنتابك، وشعورك بالتعب أثناء القراءة، مما يغلب الظن بأنه بسبب نوع من السحر ونحوه، ومن أفضل العلاج الرقية الشرعية، وراجعي فيها الفتوى رقم: 4310.

والإصابة بالسحر لا يسقط معها التكليف، إلا إذا وصل هذا السحر بصاحبه إلى حال لا يعي فيها تصرفاته، ومن خلال ما ذكرت من حالك فإنك لم تصلي إلى هذا الحد بدليل قولك:( فلم أخبره بأمر زواجي، وبعد مدة طلب مني الزواج، ولم أخبره أيضاً خوفاً من أن يتركني .. بل على العكس جعلته ينتظر ذلك ..) فهذا يعني أنك لم تفقدي الاختيار والإرادة، فالواجب عليك التوبة إلى الله، وشروط التوبة بيناها في الفتوى رقم: 5450.

وليس لهذا الشاب حق عليك، ولم تكوني ظالمة له، بل هو من ظلم نفسه، وجنى عليها حين تمادى معك في هذه العلاقة المحرمة، فلا تشغلي نفسك بأمره، بل أحسني فيما يستقبل من الزمان وتناسي الماضي.

ولا يبعد أن يكون للناحية النفسية أثر فيما حصل، فالمرأة إذا فقدت الشعور العاطفي من زوجها، ربما بحثت عنه عند غيره ممن قد يشبع لها هذا الجانب، فتقع فريسة لشياطين الإنس والجن.

وننصح بالإصلاح بينك وبين زوجك ما أمكن، فهو من أقربائك كما ذكرت، ولكن إن لم يكن من سبيل للإمساك بالمعروف، فليكن الفراق بإحسان، فالطلاق قد تترجح مصلحته أحيانا.

قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح، لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني