الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قراءةُ سورة معينة بعدد معين من أجل قضاء مصلحة، وهل من دعاء لفك الأسير؟

السؤال

ما حكم إجماع عدد من الأشخاص على قراءة سورة معينة لعدد من المرات بنية تحقيق شيء ما؟ وهل هناك سورة محددة أو دعاء للإفراج عن المعتقل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا تُشرعُ قراءةُ سورة معينة بعدد معين من الناس مع تكرارها لعدد من المرات من أجل قضاء مصلحةٍ ما، فهذا غير مشروع؛ لأنه لم يرد به الشرع، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ. رواه مسلم، وفي رواية له: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ.

قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام، وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات.... وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات، وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ. اهــ.

وقد جاء الشرع بقراءة آيات أو سورة مخصوصة في أوقات خاصة لأجل منفعة معينة؛ كقراءة آية الكرسي عند النوم؛ لتكون حرزًا للنائم من أذية الشيطان، وكقراءة المعوذات للرقية، ونحو ذلك، ولكن لم يرد الشرع بأن تُقرَأ جماعة، ولعدد معين.

ولا نعلم أن هناك سورة أو دعاء خاصًّا لفك السجين أو الأسير ورد بإسناد صحيح، وقد ورد في بعض الأحاديث الضعيفة قراءة بعض الآيات والأذكار لأجل فك الأسير؛ كالحديث الذي يرويه الفُضَيْل، قال: إنَّ رَجُلًا على عَهْدِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسَرهُ العَدُوُّ، فأَرادَ أبوهُ أنْ يَفْدِيَه، فأَبَوْا عليه إلا بشَيْءٍ كثير لَمْ يُطِقْهُ، فَشكا ذلكَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: "اكْتُبْ إليه، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قولِهِ: (تَوَكَّلْتُ على الحي الذي لا يموتُ، و{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} إلى آخرها)". قال: فكَتَبَ بها الرجلُ إلى ابْنِه، فجَعَلَ يقولُها، فَغَفل العَدُوُّ عنهُ، فاسْتاقَ أربعين بَعيرًا، فَقَدِمَ، وقَدِم بها إلى أبيهِ. اهــ والحديث قال عنه قال الحافظ: وهذا معضل. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب برقم: 1153.

ومثله حديث مالك الأشجعي أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أُسِرَ ابني عوفٌ. فقال: أرْسِل إليه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأْمُرُكَ أَنْ تُكْثِرَ من قولِ: (لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله)" فأتاه الرسولُ فأخْبَرَهُ، فَأَكَبَّ عوفٌ يقول: (لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله)، وكانوا قد شدُّوهُ بالقِدِّ، فسَقَطَ القِدُّ عنه، فَخَرَجَ، فإذا هو بِناقَةٍ لهم فركبَها، فأَقْبَلَ، فإذا هو بِسَرْحِ القومِ، فصاحَ بِهِمْ، فأَتبع آخِرُها أوَّلَها، فلم يَفْجَأ أبويه إلا وهو ينادي بالبابِ. فقال أبوه: عوفٌ وربِّ الكعبةِ، فقالَتْ أُمه: واسوأتاه! وعوفٌ كيف يقدم؛ لما هو فيه من القِدّ؛ فاسْتَبقَ اَلأبُ البابَ والخادِمُ إليه، فإذا عوفٌ قد ملأَ الفِناءَ إبلًا، فَقَصَّ على أبيه أمْرَه وأمْرَ الإبِلِ، فأتى أبوه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرَه بخبر عوفٍ وخَبرِ الإبِلِ، فقال لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اصْنَعْ بها ما أحْبَبْتَ، وما كُنْتَ صانعًا بإبِلِكَ. ونَزَلَ: {وَمنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلَ لَهُ مَخْرَجًا ويَرزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمنْ يَتَوكل على اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. اهـــ، والحديث في ضعيف الترغيب برقم: 972.

وقد جاء الشرع بأذكار تُقرأُ عند الكرب على وجه العموم، يُشرعُ للمسلم أن يلهج لسانُه بها حتى يفرج اللهُ كربَه، وقد ذكرنا طرفًا منها في الفتوى رقم: 101542.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني