الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلق زوجته طلقتين وعلق الثالثة وحنثته، وتريد طلب الطلاق

السؤال

سؤالي عن حكم طلبي للطلاق.
أنا تزوجت بغير خطبة، ولا معرفة لشخصية زوجي، وتصادمت بشخصيته وتفكيره منذ كتب الكتاب، ولكن اخترت الصبر لعله يتغير للأفضل،
وظللت أدعو الله أن يحببني فيه، ويحببه في، ويصلح بيننا.
زوجي عصبي ومنفعل بشكل شديد جدا يوصله للتهديد والوعيد، وتكسير الأثاث رغم أنه يعلم ماذا يفعل، ويكون على دراية بفعله وقت غضبه.
ثاني شيء: أنه لا يوجد بينا تفاهم، ولا اتفاق عندما أناقشه يسمي هذا جدالا، ويذكرني بحديث الرسول عن الجدال، ويتحول الأمر لانفعال منه ومشكلة.
ثالث شيء: أنه يهول من الأمور، ويجعل منها مصائب، والأمور تافهة، فإذا تحدثت إلى أهلي وأنا غاضبة منه كأن أستشير أخي في النصح وهو أكبر مني ومنه بكثير، وذو عقل راجح، يسمي هذا نشوزا وخيانة له، وطلقني طلقتين وعلق الثالثة، وقد أوقعتها، ولكن في فترة الحيض، فأخذ برأي أن الطلاق لم يقع لأنه في الحيض.
هو في السعودية وأنا الآن في مصر، متزوجة منه من سنتين، ولدي منه بنت، وهو الآن يتناول المهدئات، ويحاول السيطرة على غضبه، ولكن تظل باقي المشكلات.
ويريد أن يستقدمني له في السعودية مرة أخرى ويقول إنه سيتغير. ولكن هو لا يري نفسه مخطئا في شيء مما فعله أو يفعله، فكيف سيغير ما ليس خطأ في نظره؟.
ثانيا: هو لا يقبل أن يحدثه أحد من أهلي لينصحه، أو يحكم بيننا، أو يأخذ عليه العهود كي أعود له. ولا حتى يقبل أن أحدثهم في أمري أو أستشيرهم في أمرنا، ولا حتى من أهله.
أنا الآن لا أصدق أنه سيتغير، وأخشى أن أعود له، فلا يمكني من النزول لمصر مرة أخرى أو محادثة أهلي، ويجبرني على الإنجاب مرة أخرى كي أرتبط به، ويصعب علي أن أتركه.
أنا أريد الطلاق، وأستخير منذ فترة، ولا أقبل نفسيا أن أعود، فأنا قد تعبت نفسيا منه، وبدأت آخذ من عصبيته وغضبه، وأخشى على نفسي صحيا ونفسيا.
فهل علي إثم إن أصررت على الطلاق؟
مع العلم أيضا أنه كل يوم برأي. يريد اليوم التطليق، وغدا يريد الإصلاح، وهكذا مرارا وتكرارا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعل من المناسب أن نبدأ بما ذكرت من أمر الطلقة الثالثة، والتي علق فيها زوجك الطلاق على أمر ما، ويبدو أنك حنثته في ذلك، وفعلت الأمر المعلق عليه، وهو ما فهمناه من قولك: "وقد أوقعتها"، والطلاق المعلق واقع في قول جمهور الفقهاء عند حصول المعلق عليه؛ سواء قصد الزوج الطلاق أم قصد التهديد، وهنالك من لا يرى وقوعه عند قصد الزوج التهديد، وقد بينا الخلاف فيه في الفتوى رقم: 11592. والطلاق في الحيض واقع في قول الجمهور أيضا خلافا لمن يرى عدم وقوعه، كما هو مبين في الفتوى رقم 8507. وما ذهب إليه الجمهور هو المفتى به عندنا في المسألتين.

ولا ندري على أي أساس اختار زوجك القول بعدم وقوع الطلاق، فإن كان من طلبة العلم وترجح عنده هذا القول، أو كان قد استفتى من يثق به من العلماء فلا بأس بذلك، وأما إن كان لمجرد تتبع الرخص، فلا يجوز له ذلك، وانظري الفتوى رقم: 134759.

فعليه أن يبادر الآن لسؤال أهل العلم، فإن لم يفعل فارفعي الأمر إلى المحكمة الشرعية لاحتمال أن تكوني حرمت عليه بالطلقة الثالثة، فلا تحلين له بعدها حتى تنكحي زوجا غيره، قال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.

وعلى تقدير عدم وقوع الطلقة الثالثة، فالمرأة لها الحق في طلب الطلاق، إن كانت متضررة من البقاء مع زوجها، وإن لم تكن متضررة، ولكن كرهت البقاء معه، وخشيت التفريط في حقه، فلها الحق في طلب الخلع، وراجعي الفتويين: 37112، ورقم 20199، ولكن لا تعجلي إلى شيء من ذلك، وخاصة إن رجوت أن ينصلح حاله، واستشيري العقلاء من أهلك أو أهله ممن لهم معرفة به، وافعلي ما يرجى أن يكون الأصلح.

وننبه إلى بعض الأمور:

الأول: أن على الزوج أن يعاشر زوجته بالحسنى امتثالا لقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، ولمزيد فيما يتعلق بما تقتضيه المعاشرة بالمعروف راجعي الفتوى رقم: 368647.

الثاني: الحرص على الاستشارة قبل الزواج بسؤال الثقات عمن يريد أن يتقدم للخطبة، والاستخارة بعدها في أمره، فهما من أعظم دواعي التوفيق، وراجعي الفتوى رقم: 228616، والفتوى رقم: 19333.

الثالث: الحذر من الغضب والاجتهاد في توقي آثاره السيئة باتباع الهدي النبوي في ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 8038.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني