الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة قول: المتبرجة الصائمة خير من المحتشمة الفاسدة، وقول: الكفار مسلمون بلا إسلام

السؤال

هل يصح قول البعض: "التدين بالقلب، فرُبّ متبرجة صائمة، خير من محتشمة فاسدة"
فيقال: "أحسن الظن، فكم من متبرجة وجدناها صائمة قائمة منفقة."
ويقال:" لا تجعلوا هذا الحجاب مقياسًا للعفة، فكم من اتخذنه ستراً عن مصائبهن."
وقول البعض للكفار: "مسلمون بلا إسلام". يقصد أن فعلهم وإحسانهم ومساعدتهم لبعض، خير وإحسان كما أمرنا الإسلام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالتدين بمعنى الاستقامة لا تكون بالقلب فقط، بل تكون بالقلب واللسان والجوارح. وقد روى الإمام أحمد في مسنده ـوحسن إسناده الألباني- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ.
والمتبرجة الصائمة المنفقة، طائعةٌ بصيامِها وإنفاقِها، وعاصيةٌ بتبرجها، وكذا المحتشمةُ الفاسدةُ، طائعةٌ باحتشامِها وسترِها، وعاصيةٌ بفسادِ خُلُقِهَا.

والله تعالى يثيب على الطاعة، ويعاقب على المعصية أو يغفرها، فكل واحدة منهما معرضة للعقوبة.

وأما القول بأن المتبرجة الصائمة، خير من المحتشمة الفاسدة، فهذا إنما يصدر في الغالب من العلمانيين والليبراليين، وأضرابهم من الفسقة الذين يحاربون الحجاب، أو يهونون من شأنه، ولا شك أن الحجاب شعارٌ للعفة ولو في الظاهر، فالعفة - كما عرفناها في الفتوى رقم: 37828 - من معانيها الكف عن المحارم وخوارم المروءة، وهذا يصدق على المحتجبة المتسترة، وأمر سريرتها موكول إلى الله تعالى. والمتبرجة بذلك المعنى ليست عفيفة؛ لأنها مجاهرة في الظاهر بالمحرم وخوارم المروءة، فأنى يُحكم لها بالعفة لمجرد أنها صائمة، أو منفقة مع سفورها؟!
والقول عن الكفار بأنهم مسلمون بلا إسلام، لا يصح أن يقال. وإن كان على اعتبار أن عندهم من فعل الخير والإحسان ما يأمر به الإسلام؛ لأن اسم "المسلم" أولا اسم شرعي لا يُطلق على من لم يؤمن بالله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ المُسْلِمُ .. رواه البخاري وغيره، وفي لفظ له: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلاَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ المُسْلِمُ... اهـ.

فاسم المسلم من الأسماء الشرعية، ولا يجوز إطلاقه على الكفار.

وثانيا: إن في إطلاقه عليهم تقريبا لمودتهم إلى قلوب المسلمين، وتهوينا من شأن كفرهم وتلميعا، والأمر -كما ذكرناه آنفا- من أن إطلاق مثل هذا الكلام إنما يقع ويدندن حوله أصحاب الأفكار المنحرفة من العلمانيين، وأضرابهم ممن عُرِفَ عنهم الولاء للكفرة أعداء الله ورسوله، فيسعون جاهدين لتلميع صورتهم، وتحسين ظن المسلمين بهم، وتقريب مودتهم إلى قلوبهم بمثل تلك الكلمات، فالواجب الحذر، وانظري للأهمية الفتوى رقم: 372985 عن حكم تفضيل الكافر على المسلم العاصي.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني