الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس بالضرورة أن يكون الابتلاء عقوبة للعبد

السؤال

أنا فتاة عمري 22 سنة، حاصلة على إجازة مهنية، لم أكمل الماجستير لظروف ما، فقلت: لا بأس، سأبحث عن عمل، أو تدريب، ولم أجد أي شيء، وبحثت دون جدوى، ورفيقاتي وأصدقائي مستواهم الدراسي أقل، واستطاعوا الولوج للماجستير، ومنهم من عمل.
ومؤخرًا وجدت عقد تدريب عمل، فإذا بي مرضت بضيق تنفس حاد، وفقر دم حاد؛ فاستغنيت عن التدريب لظروفي الصحية، ولا أعلم أهو اختبار من عند الله، أم عذاب في الدنيا لذنب ما؟ حتى إن بعض أصدقائي يقولون لي: ابحثي عن رزقك، فلن يأتي إليك إن لم تبحثي، وقد بحثت، ولم أجد.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يشرح صدرك، ويفرج همك، ويعافيك من كل مرض.

واعلمي أن الابتلاء ليس بالضرورة عقوبة للعبد، أو دليل هوان على الله، بل قد يكون الابتلاء دليل محبة من الله تعالى، وسببًا لرفع الدرجات، ونيل الثواب العظيم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي.

فاصبري، وأبشري خيرًا، ولا تيأسي، وأحسني الظنّ بالله، واعلمي أنّ الله قد يصرف عنك شيئًا، ويدخر لك خيرًا منه؛ قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]، قال ابن القيم -رحمه الله-: والعبد لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه، وحكمته، ولطفه، لا يعرف التفاوت بين ما منع منه، وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئًا، وبقلة الرغبة في الآجل، وإن كان عليًّا.

وعلى أية حال؛ فإنه إذا نزلت بالعبد بلية، أو شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه، ويراجع حاله مع الله، فإنّه كما قيل: لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، في صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: يَا عبادي، إِنَّمَا هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ.

قال ابن القيم: ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم، وتحل النقم. فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب.

فعليك بتجديد التوبة العامة، وكثرة الاستغفار، والإلحاح في الدعاء، مع الحذر من استعجال نتيجة الدعاء، وترك الدعاء يأسًا من الإجابة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني