الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَن حلف على شيء وشكّ هل قصد التأبيد أم لا؟

السؤال

بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا على مجهوداتكم التي تبذلونها، وجعلها الله في ميزان حسناتكم.
شيوخنا الأفاضل، لدي سؤال: كنت جالسًا مع العائلة، فأتى ابن أختي يبحث عن دراجته، فقلت له: لا أعرف، فنطق والدي، وأخبره أنها على سطح المنزل، فأنا في تلك اللحظة كنت مشوش التفكير، ومتوترًا، فصرخت: "والله، لا أهبطها له"، يعني حلفت بأني لن أنزلها له، ولا أعرف أن اليمين يكون في تلك اللحظة فقط أم دائمًا، وخاصة أني في تلك اللحظة لم أرد أن يلعب؛ لأنه لم يكن وقت اللعب، وكذلك الشارع كان مبللًا بماء المطر، وبعد ذلك توترت ولم أستطع النوم بسبب ذلك اليمين، وخوفي من أن يكون دائمًا، وليس لذلك اليوم، أو اللحظة.
وبعد أيام أنزلوها له، ولكني دائمًا ما أحملها إلى السطح، وأنزلها له متى شاء، فإذا أعدتها إلى السطح، أو أعادها أحد أفراد العائلة، وقمت بتنزيلها مرة أخرى، فهل أكون حانثًا باليمين؟ حتى إني لم أفهم قصد اليمين التي حلفتها، هل هو في تلك اللحظة أم دائمًا، وهل بإمكاني إنزالها له بعدما تم تنزيلها بعد اليمين، وماذا أفعل حتى أعود إلى طبيعة الأمر كما كنت أفعل دائما: أحملها إلى السطح وأنزلها له؟
وشكرًا لكم مسبقًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فإذا لم تنو باليمين أنك لن تنزلها له دائمًا، فإن ذلك اللفظ الذي ذكرته لا يفيد في ذاته التأبيد، ولا سيما أنك حلفت على عدم إنزالها لوجود المطر، فهذا يسمى عند الفقهاء ببساط اليمين، وهو السبب المثير له، أو الحامل عليه، فهذا يرجعُ إليه عند الشك في النية، وعند عدم ضبطها، جاء في الشرح الكبير: (ثُمَّ) إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ، أَوْ لَمْ تُضْبَطْ؛ خُصِّصَ، وَقُيِّدَ (بِسَاطُ يَمِينِهِ)، وَهُوَ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ؛ إذْ هُوَ مَظِنَّةُ النِّيَّةِ. اهــ.

قال الدسوقي في حاشيته: (قَوْله: ثُمَّ إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ) أَيْ: الصَّرِيحَةُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبِسَاطَ نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ ... وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِسَاطَ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ، أَوْ بِطَلَاقٍ، أَوْ بِعِتْقٍ ... اهـ.

والخلاصة: أنك إذا لم تنو باليمين تأبيد ما حلفت عليه، أو شككت وكان الحامل على اليمين ذلك الوقت ما ذكرته من الأحوال الجوية؛ فإنه لا يلزمك شيء، ولا كفارة عليك لو أنزلتها له في أيام أخرى.

وننبهك أخيرًا إلى أن قولك: "لا أعرف" حين سُئِلتَ عن مكان الدراجة، إن كنت تعرف في الحقيقة مكانها، فقولك ذلك يعتبر كذبًا، تلزمك التوبة منه.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني