الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ضرب الموظف وتعليمه

السؤال

لي سؤال هو في الحقيقة مشكلة أكثر من سؤال ولكن أريد أن أريح ضميري، أعمل مديرا فى إحدى الشركات وفي يوم من الأيام تم تعيين مساعد لي وتم طلب رأيي ولقد وافقت عليه مع علمي التام بعدم كفاءته وأنني كنت لا أحب طريقتة في التذلل والتقرب ممن هم فى مراكز لكي يجد وظيفة، ولكني لم أرد أن أكون سببا في منع رزق أحد وقلت فى نفسي أنا أعطيه فرصة كما أخذت فرصتي من قبل ولم أكن أعلم شيئا، وبالفعل تم تعيينه ولكن بعد تعيينه أخذ يسألني كثيرا في أشياء صغيرة جداً وتافهة حتى أنني كرهته وكرهت أن يكلمني وبدأ هو في الشكوى مني و بدأ فى التحدث إلى الناس أنني أظلمه واشتكاني إلى رؤسائي وبدأت في التعامل معه بصورة لا تليق ثم تطور الوضع وبدأت في التحدث معه بصورة سيئة جدا.كان فى إمكاني أن أقول رأيي فيه بصراحة، ولكني منعت نفسي وكنت أضغط على نفسي لكى أعلمه مع كرهي لذلك، فأنا لا أريد أن أعلمه لأنه ناكر للجميل وناكر للمعروف ويريد أن يتعلم مني حتى يكون ذا شأن، اعلم أنه من حقه أن يتعلم ولكنى أقارنه بنفسي، فأنا تعلمت بمجهودي ولم يساعدني أحد واجتهدت حتى أصبحت بفضل الله مديرا، ولكن هو لم يجتهد ويريد أن يأخذ مجهودي بدون تعب، هذا مختصر الموضوع وهو أن العلاقة تطورت لحد أنني في يوم من الأيام تضايقت جداً نتيجة لكلام كثير منه استفزني جداً، وقال لي إنني ظالم وإن كل الناس يعلمون ذلك وضربته، وفي هذا اليوم شعرت بندم شديد جدا جدا وفي نفس الساعة اعتذرت له أمام الناس جميعا وقلت له إنني آسف وياليت ننسى ما حدث وأن لا نقص على أحد ما حدث ولقد بدأت في التقرب إليه مع كرهي له ولكنى ضغطت على نفسي واستمررت بالاتصال به والتودد إليه لعل وعسى أن أرد له مظلمته من معاملتي السيئة له، ولكن إزداد بعداً وأصبح يرد علي بتعجرف أو يمكن أنه لا يريد أن يتحدث إلي ولكني أعتقد أنه تعجرف، ولكنى واثق أنه يتعامل معي فى حدود العمل فقط، ولكن حدث أننى اكتشفت بعد عدة أيام أنه قال لرؤسائي ما حدث كله بدون زيادة أو نقص وأخذ يقص على زملائي كيف أنني أظلمه وكيف أنني مفتر ولقد نهرني رؤسائي جداً ووقفوا في جانبه، سؤالي هو: هل أنا مضطر إلى تعليمه مما لدي من العلم، هل اعتذاري له كاف، كيف أتخلص من كرهي له، هل أنا ظالم أم مظلوم، كيف أجعله يكف عن الكلام عني، كيف أجعله ينسى ما حدث، أنا مستاء جدا من كلامه عني أمام الناس مما يسيء إلى سمعتي في الشركة وهي التي حاولت جاهدا طوال سنين أن أحافظ عليها, الآن كلهم يقولون إنني ظالم ومفتر، لدي كثير من المشاعر داخلي، ولكن لا أعلم هل هي مشاعر خوف من أن أكون ظالما أم هي مشاعر كره له أم هي مشاعر خوف من الرؤساء، ولكن أؤكد لكم أنه بعد هذه المشكلة سألني مديري عن رأيي فيه وقلت إنه ممتاز وإنه في تقدم مستمر وإنى أريده في العمل، لكني أتمنى أن يستقيل ولكن بدون تدخلي، أرجو أن أجد عندكم ما يريح قلبي وإن كنت أنا الظالم كيف أتوب وكيف لا أتضايق عند سماع أنه ما زال يتحدث عني أمام الناس بما حدث وكيف أنني ظالم، هذا يجعلني أحزن جداً كيف أتوب وكيف أصلح صورتي أمام الناس؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن ضربك للعامل الذي يخدم معك فيه اعتداء عليه كبير، وقد حذر الشرع الحكيم من ذلك، ففي الحديث الصحيح: أن المفلس يوم القيامة يأتي بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا... الحديث. فكان من حقك أن تكافئ إساءته عليك بمثلها أو أن تعفو عنه، وليس لك أن تضربه.

ونسأل الله تعالى أن يذهب غيظ قلبك وغلَّه، وأن يؤلف بينك وبين عباد الله المؤمنين، فقد ذكر الله أحوال الصالحين فقال: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {الحشر:10}، ولا يتأتى ذلك للمرء إلا إذا تحلى بصفة الحلم والصفح والعفو، فلا يرد السيئة بسيئة وإنما يردها بالحسنة ولا يدع نفسه تتحكم فيه، بل يحكم نفسه بسلطان العقل ووازع الدين، فقد قال الله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83}، وقال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا {الإسراء:53}.

فهذه بعض أسباب ضبط النفس من الناحية الإيجابية، أما من الناحية السلبية فالواجب على العبد أن يتخلى عن حظوظ النفس وشهواتها التي تدفعه لحب ذاته، والتعالي على الآخرين، والفخر بما أوتي من علم أو مال أو منصب، قال صلى الله عليه وسلم: وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد. رواه مسلم وغيره.

ولتتذكر أيها الأخ السائل قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات:10}، وأن المؤمن له من الحقوق على أخيه المؤمن ما يعجز المرء عن وصفه، ولقد بينا فضيلة العفو والصفح وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54408، 36349، 27841، 24753، 18380.

أما عن تعليم مساعدك الأمور التي يسألك عنها فليس من الواجب عليك، ما لم يكن داخلاً في مقتضى العقد أو العرف إن لم يذكر في العقد، ولكن لو علمته تفضلاً منك ووجهته إلى الصواب ونبهته على الخطأ كان ذلك فيه الأجر الكبير، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله... إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: تعين صانعاً أو تصنع لأخرق. والأخرق هو الذي ليس بصانع..

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني