الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يظن المؤمن بأخيه إلا خيرا

السؤال

فضيلة الشيخ // حفظكم الله
سؤالي
عن نفس الإنسان وما يظنه بأخيه الإنسان وأيهما أفضل سوء الظن أم حسن الظن وأقصد بالآخرين وكيف أجمع بينهما وبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن, والله لا يؤمن, والله لا يؤمن قيل : من يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. متفق عليه.
وكيف يكون سوء الظن عصمة .. وعصمة من ماذا ؟!
أرجو التفصيل .. لأنفهم أكثر .. وفقكم الله لكل خير.
دمتم بسلام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد حرم الله تعالى سوء الظن بالمؤمن ونهى عنه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12}]‏

ووردت أحاديث كثيرة في تحريم سوء الظن بالمؤمن، منها ما رواه البخاري ومسلم ‏عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، ‏فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا… الحديث.‏

ومنها ما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله ‏عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم ‏حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ‏ودمه، وأن يظن به إلا خيرا.

وعليه فلا يمكن المقارنة في الأفضلية بين حسن الظن بالمسلمين وبين سوء الظن بهم. لأن الأول واجب والثاني محرم.

وأما عبارة (سوء الظن عصمة)، فالظاهر أنك تظنها حديثا، وهي ليست كذلك. إذ إننا لم نقف عليها في شيء من كتب السنة. وقد وقفنا على عبارات بمعناها، نحو: "الحزم سوء الظن" ونحو: "احترسوا من الناس بسوء الظن"، ونحو: "من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته"، وهي جميعا إما أن تكون من كلام العرب، وإما أنها أخبار ضعيفة جدا، لا تجوز نسبتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

فقد قال العجلوني في كشف الخفاء: احترسوا من الناس بسوء الظن. قال في الأصل: رواه أحمد في الزهد والبيهقي وغيرهما من قول مطرف بن الشخير أحد التابعين. زاد البيهقي وكذا الطبراني في الأوسط والسكري أنه روي عن أنس مرفوعا، وأخرجه تمام في فوائده عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بلفظ: من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته. رواه الديلمي عن علي من قوله موقوفا عليه: الحزم سوء الظن.

ثم عقب العجلوني على ذلك بقوله وجميع طرقه ضعيفة يتقوى بعضها ببعض.

وقال عنه الألباني في السلسلة: ضعيف جدا.

ونسبه البيهقي في الشعب لكلام العرب قديما قال: كانت العرب تقول: العقل التجارب، والحزم سوء الظن.

وبهذا تعلم أن النصوص السابقة لا تصلح للاحتجاج لكونها لم تثبت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم بل هي ضعيفة جدا كما قدمنا ، وعلى تقدير صحتها فهي محمولة على من يتوقع منه الشر أو من هو أهل لأن يساء الظن به كما قال المناوي في فيض القدير : أما من هو محل لسوء الظن به فيعامل بمقتضى حاله كما يدل له الخبر الآتي "الحزم سوء الظن " وخبر " من حسن ظنه بالناس طالت ندامته " وقال الآلوسي في روح المعاني : كما إذا ظن بشخص أنه يريد به سوءا فتحفظ من أن يلحقه أذى على وجه لا يلحق ذلك الشخص به نقص وهو محمل خبر إن من الحزم سوء الظن وخبر الطبراني احترسوا من الناس بسوء الظن ، وعلى أي حال فالأصل أن تقدم حسن الظن بالمؤمن لأن سوء الظن به محرم كما تقدم .

ونحسب أن هذا القدر كاف لإزالة ما تجده من اللبس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني