الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغضب.. آثاره.. درجاته.. وحكمه

السؤال

هل هناك إثم على من حلف وهو في حالة غضب, وهل هو حاله مثل الطلاق في حالة الغضب, ومن حلف في حالة غضب هل توجد عليه كفارة, وما حكم من حلف وهو غاضب؟ هذا ولكم جزيل الشكر والتقدير على جهودكم الجبارة المبذوله في خدمتنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالغضب درجات هي:

الأولى: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله ولكنه لا يغير من عقله فهو يعي ما يقول، فهذا لا إشكال في لزوم كل ما التزمه وصحة كل ما أبرمه من عقود، ومن ذلك حلفه أو طلاقه أو غيرها فيلزمه ذلك كله.

الثانية: أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يعي ما يقول، فلا خلاف في عدم لزومه أي شيء مما يصدر عنه من عقود ونحوها لأنه مثل المغمى عليه فكلامه هذيان.

الثالثة: أن يستحكم به الغضب ويشتد عليه فلا يزيل عقله، فهو يعي ما يقول، ولكنه يحول بينه وبين نيته، ففيه خلاف، ولكن الأدلة كما قال ابن القيم تدل على عدم وقوع طلاقه وعقوده التي يبرمها في معاملاته.

فإن كان الغضب الذي تعني من الحالتين الأخيرتين فلا حنث عليك لأن يمينك يكون من باب لغو اليمين، وقد قال الله تعالى: لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {البقرة:225}، وقال تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}، وما كان في الحالتين الأخيرتين من درجات الغضب فلم ينعقد عليه القلب لفقد صاحبه القصد، وبناء عليه فانظر حالك وقت تلفظك باليمين وإلى أي تلك الأقسام والدرجات ينتمي، وإن كفرت عنه فهو أولى وأحوط إذا كان من الثالثة خروجاً من الخلاف واحتياطاً للدين، والكفارة هي ما سبقت في الآية السالفة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 204، والفتوى رقم: 2780.

وحكم الحلف حال الغضب كحكمه خارجه فلا إثم فيه ما لم يحلف بما لا يشرع الحلف به أو يحلف على ما لا يجوز إذ يجب تنزيه اسم الله وصفاته عن ذلك، كأن يحلف على فعل معصية ونحوه، وننبه إلى أن المسلم عليه أن يبتعد عن أسباب الغضب لما فيه من المفاسد الدنيوية والأخروية المترتبة عليه، وذلك أخذاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني: فقال: لا تغضب. فرددا مراراً، فقال: لا تغضب. رواه البخاري. وفي رواية أحمد وابن حبان: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: فإذا الغضب يجمع الشر كله. قال ابن التين: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تغضب. خير الدنيا والآخرة، لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من دينه. وللفائدة في ذلك انظر الفتوى رقم: 49827، والفتوى رقم: 8038.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني