الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أم مِعْبَد في طريق الهجرة النبوية

أم مِعْبَد في طريق الهجرة النبوية

أم مِعْبَد في طريق الهجرة النبوية

رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أحسن الناس وأجمل الناس خَلْقا وخُلقا، لم يصفه واصف قط إلا شبهه بالقمر ليلة البدر، ولقد كان يقول قائلهم: لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن في أعيننا من القمر .
فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس وجها، وأنورهم لونا، يتلألأ تلألؤ الكوكب، عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة إضحيان ( مضيئة مقمرة ) وعليه حُلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلي القمر، فلهو عندي أحسن من القمر ) رواه الترمذي .
وقد وصفه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فقال :

أمينٌ مصطفىً للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام

في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقعت معجزات حسية، هي من أعلام نبوته، ودلائل ملموسة على حفظ الله ورعايته له، وعلو قدره ومنزلته، ومن ذلك ما حدث مع أم معبد ـ رضي الله عنها ـ، وكذلك وصفها الدقيق له ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وأم معبد ـ رضي الله عنها ـ هي عاتكة بنت كعب الخزاعية ، وهي أخت حبيش بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها .
وقصة وصفها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تناقلها الرواة وأصحاب السِيَّر، وممن روى قصة أم معبد بطولها الإمام الطبراني في معجمه الكبير، وابن هشام في السيرة النبوية، والبيهقي في دلائل النبوة، وقال عنها ابن كثير: " وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا " .
وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة من جملة صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ قال: " أم معبد الخزاعية التي نزل عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمَّا هاجر، مشهورة بكنيتها، واسمها عاتكة بنت خالد ".

أم معبد تصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

عن حبيش بن خالد - رضي الله عنه - صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر - رضي الله عنه - ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة - رضي الله عنه - ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط ، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية ، وكانت برزة ( كهلة كبيرة السن )، جلدة ( قوية وعاقلة)، تحتبي ( تجلس وتضم يديها إحداهما إلى الأخرى، على ركبتيها، وتلك جلسة الأعراب) بفناء القبة ثم تسقي وتُطعم، فسألوها لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين ( نفذ زادهم )، مسنتين ( في مجاعة وقحط )، فنظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شاة في كسر (جانب) الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟، قالت: خَّلَّفَها الجهد عن الغنم، قال: فهل بها من لبن؟، قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين أن أحلبها؟، قالت: بلى، بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيتَ بها حلباً فاحلبها .
فدعا بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمسح بيده ضرعها، وسمى الله ـ عز وجل ـ، ودعا لها في شاتها، فتفاجت ( فتحت ما بين رجليها للحلب ) واجترت ( أرسلت اللبن )، ودعا بإناء يُرْبِض الرهط ( يرويهم حتى يثقلوا )، فحلب فيها ثجا ( لبنا كثيراً ) حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم أراضوا ( شربوا مرة بعد مرة )، ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها .

فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافاً ( مهزولة )، يتساوكن هُزلا ( يتمايلن من الضعف) ضحى، مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عَجِبَ، وقال: من أين لك هذا اللبن ياأم معبد ، والشاة عازب حيال ( بعيدة المرعى) ولا حلوبة في البيت؟!!، قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد ، قالت:

رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ( الجمال والحُسن )، أبلج الوجه ( مشرق الوجه مضيئه )، حسن الخلق، لم تعبه نحلة ( ليس نحيلا )، ولا تزر به صعلة ( صغر الرأس وهي تعني الدقة والنحول في البدن )، وسيم ( مشهور بالحسن )، في عينيه دعج ( شديد سواد العين في شدة بياضها )، وفي أشفاره وطف ( الشعر النابت على الجفن فيه طول )، وفي صوته صهل ( كالبحة وهو ألا يكون حاد الصوت)، وفي عنقه سطع ( طول العنق )، وفي لحيته كثاثة، أزج ( دقيق شعر الحاجبين مع طولهما )، أقرن ( مقرون الحاجبين )، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما ( علا برأسه ) وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا هذر ولا نزر ( الهذر من الكلام ما لا فائدة فيه، والنزر: القليل)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، رَبْع ( ليس بالقصير ولا بالطويل )، لا يأس من طول ( لا يجاوز الناس طولا )، ولا تقتحمه العين من قصر ( لا تزدريه ولا تحتقره )، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود ( مخدوم )، محشود ( يجتمع الناس حواليه )، لا عابس ولا مُفنَّد ( ليس عابس الوجه، وليس منسوباً إلى الجهل وقلة العقل ) ..
قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذُكِرَ بمكة،ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً " ..

هذه بعض الصفات الخَلْقية التي وصفت بها أم معبد ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومعها ـ بل وقبلها ـ الصفات الخُلٌقية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي قال الله ـ عز وجل ـ عنها : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4)، تلكم الصفات التي حببت إليه النفوس، وشوَّقت إليه القلوب، فالقلوب تتعلق بالجمال كأمر فِطري، فكيف بمن جمع الله له الجمال خَلقا وخُلقا ؟! ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة