الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

"العلمية" التي ننشدها

"العلمية" التي ننشدها

"العلمية" التي ننشدها

"العلمية" التي ننوه بها، لا تعني مجرد السعي للحصول على التفوق العلمي، وتأكيد الاهتمام بمقررات «العلوم» وتطويرها، تأليفًا وتعليمًا وبحثًا، في المدارس والجامعات، ومراكز البحث العلمي، وتوجيه العناية إلى التطور «التكنولوجي»، الذي ينمو ويتصاعد يومًا بعد يوم. «العلمية» لا تقف عند هذا وحده، وإن كان الاهتمام بكل هذا فريضة وضرورة، والتقصير فيه منكرًا وإثمًا مبينًا في نظر الإسلام.

إنما نعني بـ «العلمية» - إلى جوار هذا - أن يسود «التفكير العلمي»، وتسود «الروح العلمية» كل علاقاتنا ومواقفنا وشئون حياتنا، بحيث ننظر إلى الأشياء والأشخاص والأعمال، والقضايا والمواقف «نظرة علمية»، ونصدر قراراتنا الاستراتيجية والتكتيكية، في الاقتصاد والسياسة والتعليم وغيرها بعقلية علمية، وبروح علمية، بعيدًا عن الارتجالية، والذاتية، والانفعالية، والعاطفية، والغوغائية، والتحكمية، والتسويغية، التي تسود مناخنا اليوم، وتصبغ تصرفاتنا إلى حد بعيد؛ فمن سلم من أصحاب القرار من اتباع هواه الشخصي، أو هوى فئته وحزبه، كان أكبر همه اتباع ما يرضي أهواء الجماهير، لا ما يحقق مصالحها، ويؤمن مستقبلها، في وطنها الصغير، ووطنها الكبير، والأكبر.

و«للروح العلمية» دلائل ومظاهر أو سمات، كنت أشرت إليها أو إلى أهمها في كتابي «الحل الإسلامي» في مجال «النقد الذاتي» للحركة الإسلامية، يحسن بي أن أذكر بها هنا، وأؤكدها، وأضيف إليها في مجال تأكيد حاجة الأمة إليها لا إلى «العلمانية» المستوردة. وفي بعض الإعادة إفادة.

سمات الروح العلمية:
وللروح العلمية سمات أبرزها:
1- النظرية الموضوعية إلى المواقف والأشياء والأقوال، بغض النظر عن الأشخاص، كما قال علي بن أبي طالب: «لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق، تعرف أهله».
2- احترام الاختصاصات، كما قال القرآن: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ} [النحل: 43]، {فسۡ‍َٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا} [الفرقان: 59]، {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ} [فاطر: 14]. فللدين أهله، وللاقتصاد أهله، وللعسكرية أهلها، ولكل فن رجاله، وبخاصة في عصرنا، عصر التخصص الدقيق. أما الذي يعرف في الدين والسياسة، والعلوم والفنون، والشئون الاقتصادية، والشئون الإدارية والعسكرية، ويفتي في كل شيء، فهو في الحقيقة لا يعرف شيئًا.

3- القدرة على محاسبة النفس أو نقد الذات، والاعتراف بالخطأ، والاستفادة منه، وتقويم تجارب الماضي تقويمًا عادلًا، بعيدًا عن النظرة «المنقبية»، التي تنظر إلى الماضي على أنه كله مناقب وأمجاد! ومن الأقوال المأثورة: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.

4- استخدام أحدث الأساليب، وأقدرها على تحقيق الغاية، والاستفادة من تجارب الغير، حتى من الخصوم. فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها، فهو أحق الناس بها.
5- إخضاع كل شيء - فيما عدا المسلمات الدينية والعقلية - للفحص والاختبار، والرضا بالنتائج، كانت للإنسان أو عليه.
6- عدم التعجل في إصدار الأحكام والقرارات، وتبني المواقف، إلا بعد دراسة متأنية، مبنية على الاستقراء والإحصاء، وبعد حوار بناء، تظهر معه المزايا، وتنكشف المآخذ والعيوب. فالعجلة من الشيطان، والأناة من الرحمن.

7- تقدير وجهات النظر الأخرى، واحترام آراء المخالفين في القضايا ذات الوجوه المختلفة، في الفقه وغيرها، ما دام لكل دليله ووجهته، وما دامت المسألة لم يثبت فيها نص حاسم يقطع النزاع. ومن المقرر عند علمائنا: أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية، إذ لا فضل لمجتهد على آخر، ولا يمنع هذا من الحوار البناء، والتحقيق العلمي النزيه في ظل التسامح والحب.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة