الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        فصل

                        ثم أتى بمأخذ آخر من الاستدلال على صحة ما زعم ، وهو أن الدعاء على ذلك الوجه ؛ لم يرد في الشرع نهي عنه ، مع وجود الترغيب فيه على الجملة ، ووجود العمل به ، فإن صح أن السلف لم يعملوا به ؛ فالترك ليس [ ص: 466 ] بموجب لحكم في المتروك ؛ إلا جواز الترك وانتفاء الحرج خاصة ، لا تحريم ولا كراهية .

                        وجميع ما قاله مشكل على قواعد العلم ، وخصوصا في العبادات ـ التي هي مسألتنا ـ ، إذ ليس لأحد من خلق الله أن يخترع في الشريعة من رأيه أمرا لا يدخل عليه منها دليل ؛ لأنه عين البدعة ، وهذا كذلك ، إذ لا دليل فيها على اتخاذ الدعاء جهرا للحاضرين في آثار الصلوات دائما ، على حد ما تقام السنن ، بحيث يعد الخارج عنه خارجا عن جماعة أهل الإسلام ، متحيزا ومتميزا . . . إلى سائر ما ذكر ، وكل ما لا يدل عليه دليل فهو البدعة .

                        وإلى هذا ؛ فإن ذلك الكلام يوهم أن اتباع المتأخرين المقلدين خير من اتباع الصالحين من السلف ! ولو كان [ هذا ] في أحد جائزين [ لما قبل ] ؛ فكيف إذا كان أمرين أحدهما متيقن أنه صحيح والآخر مشكوك فيه ؟ فيتبع المشكوك في صحته ، ويترك ما لا مرية في صحته ، ويؤلب من يتبعه ؟ ! .

                        ثم إطلاقه القول بأن الترك لا يوجب حكما في المتروك إلا جواز الترك ، غير جار على أصول الشرع الثابتة .

                        فنقول إن هنا أصلا لهذه المسألة ، لعل الله ينفع به من أنصف في نفسه :

                        وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألة أو تركه لأمر ما على ضربين :

                        [ ص: 467 ] أحدهما : - أن يسكت عنه أو يتركه ؛ لأنه لا داعية له تقتضيه ، ولا موجب يقرر لأجله ، ولا وقع سبب تقريره ؛ كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها ، وإنما حدثت بعد ذلك ، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين .

                        وإلى هذا الضرب يرجع جميع ما نظر فيه السلف الصالح مما لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخصوص مما هو معقول المعنى ؛ كتضمين الصناع ، ومسألة الحرام ، والجد مع الأخوة ، وعول الفرائض ، ومنه جمع المصحف ، ثم تدوين الشرائع . . وما أشبه ذلك مما لم يحتج في زمانه عليه السلام إلى تقريره ، لتقديم كلياته التي تستنبط ( بها ) منها إذا لم تقع أسباب الحكم فيها ولا الفتوى بها منه عليه السلام ، فلم يذكر لها حكم مخصوص .

                        فهذا الضرب إذا حدثت أسبابه فلا بد من النظر فيه وإجرائه على أصوله إن كان من العاديات أو من العبادات التي لا يمكن الاقتصار فيها على ما سمع ؛ كمسائل السهو والنسيان في أجزاء العبادات .

                        ولا إشكال في هذا الضرب ؛ لأن أصول الشرع عتيدة ، وأسباب تلك الأحكام لم تكن في زمان الوحي ، فالسكوت عنها على الخصوص ليس بحكم يقتضي جواز الترك أو غير ذلك ، بل إذا عرضت النوازل ؛ روجع بها أصولها ، فوجدت فيها ، ولا يجدها من ليس بمجتهد ، وإنما يجدها المجتهدون الموصوفون في علم أصول الفقه .

                        [ ص: 468 ] والضرب الثاني : أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص أو يترك أمرا ما من الأمور وموجبه المقتضى له قائم وسببه في زمان الوحي وفيما بعده موجود ثابت ؛ إلا أنه لم يحدد فيه أمر زائد على ما كان من الحكم العام في أمثاله ولا ينقص منه ؛ لأنه لما كان المعنى الموجب لشرعية الحكم العقلي الخاص موجودا ، ثم لم يشرع ولا نبه على السبطا ؛ كان صريحا في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة زائدة ومخالفة لقصد الشارع ، إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه .

                        ولذلك مثال فيما نقل عن مالك بن أنس في سماع أشهب وابن نافع هو غاية فيما نحن فيه ، وذلك أن مذهبه في سجود الشكر الكراهية ، وأنه ليس بمشروع ، وعليه بنى كلامه .

                        قال في " العتبية " : " وسئل مالك عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز وجل شكرا ؟ فقال : لا يفعل هذا مما مضى من أمر الناس ، قيل له : إن أبا بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ـ فيما يذكرون ـ سجد يوم اليمامة شكرا لله ، أفسمعت ذلك ؟ قال : ما سمعت ذلك ، وأنا أرى أنهم قد كذبوا على أبي بكر ، وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول : هذا لم تسمعه مني ، قد فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده ، أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا ؟ إذ ما قد كان في الناس وجرى على أيديهم ؛ سمع عنهم فيه شيء ، فعليك بذلك ؛ فإنه لو كان لذكر ؛ لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم ، فهل سمعت أن أحدا منهم سجد ؟ فهذا إجماع ، وإذا جاءك أمر لا تعرفه ؛ فدعه . . . تمام الرواية .

                        [ ص: 469 ] وقد احتوت على فرض سؤال والجواب بما تقدم .

                        وتقرير السؤال أن يقال في البدعة ـ مثلا ـ : إنها فعل سكت الشارع عن حكمه في الفعل والترك ، فلم يحكم عليه بحكم على الخصوص ، فالأصل جواز فعله كما أن الأصل جواز تركه ، إذ هو معنى الجائز ، فإن كان له أصل جملي ، فأحرى أن يجوز فعله حتى يقوم الدليل على منعه أو كراهته ، وإذا كان كذلك ؛ فليس هنا مخالفة لقصد الشارع ، ولا ثم دليل خالفه هذا النظر ، بل حقيقة ما نحن فيه أنه أمر مسكوت عنه عند الشارع ، والسكوت عند الشارع لا يقتضي مخالفة ولا موافقة ، ولا يعين الشارع قصدا ما دون ضده وخلافه ، وإذا ثبت هذا ؛ فالعمل به ليس بمخالف إذ لم يثبت في الشريعة نهي عنه .

                        وتقرير الجواب : معنى ما ذكره مالك رحمه الله ، وهو أن السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا ـ إذا وجد المعنى المقتضي له ـ إجماع من كل ساكت على أن لا زائد على ما كان ، إذ لو كان ذلك لائقا شرعا أو سائغا ؛ لفعلوه ، فهم كانوا أحق بإدراكه والسبق إلى العمل به ، وذلك إذا نظرنا إلى المصلحة ؛ فإنه لا يخلو إما أن يكون في هذه الأحداث مصلحة أو لا ، والثاني لا يقول به أحد ، والأول إما أن تكون تلك المصلحة الحادثة آكد من المصلحة الموجودة في زمان التكليف أو لا ، ولا يمكن أن يكون [ آكد ] مع كون المحدثة زيادة تكليف ونقصه عن المكلف أحرى بالأزمنة المتأخرة ؛ لما يعلم من قصور الهمم واستيلاء الكسل ، ولأنه خلاف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنفية السمحة ، ورفع الحرج عن الأمة ، وذلك في تكليف العبادات ؛ لأن العادات أمر آخر ـ كما سيأتي وقد مر منه ـ ، فلم يبق إلا أن [ ص: 470 ] تكون المصلحة الظاهرة الآن مساوية للمصلحة الموجودة في زمان التشريع أو أضعف منها ، وعند ذلك تصير الأحداث عبثا أو استدراكا على الشارع ؛ لأن تلك المصلحة الموجودة في زمان التشريع ؛ إن حصلت للأولين من غير هذا الإحداث ؛ [ فالإحداث ] إذا عبث ، إذ لا يصح أن يحصل للأولين دون الآخرين ، فقد صارت هذه الزيادة تشريعا بعد الشارع بسبب للآخرين ما فات الأولين ، فلم يكمل الدين إذا دونها ، ومعاذ الله من هذا المأخذ .

                        وقد ظهر من العادات الجارية فيما نحن فيه أن ترك الأولين لأمر ما من غير أن يعينوا فيه وجها مع احتماله في الأدلة الجملية ووجود المظنة : دليل على أن ذلك الأمر لا يعمل به ، وأنه إجماع منهم على تركه .

                        قال ابن رشد في " شرح مسألة العتبية " : " الوجه في ذلك أنه لم يرد مما شرع في الدين ـ يعني : سجود الشكر ـ فرضا ولا نفلا ، إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فعله ، ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله ، والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الأمور " .

                        قال : " واستدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده ، بأن ذلك لو كان لنقل : صحيح ، إذ لا يصح أن تتوفر الدواعي على ترك نقل شريعة من شرائع الدين ، وقد أمر بالتبليغ " .

                        قال : " وهذا أصل من الأصول ، وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول ، مع وجود الزكاة فيها ، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ، لأنا نزلنا ترك [ ص: 471 ] نقل أخذ النبي عليه السلام الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها ، فكذلك نزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيها " ، ثم حكى خلاف الشافعي والكلام عليه .

                        والمقصود من المسألة توجيه مالك لها من حيث إنها بدعة ، لا توجيه أنها بدعة على الإطلاق .

                        وعلى هذا النحو جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل ، وأنه بدعة منكرة ؛ من حيث وجد في زمانه عليه السلام المعنى المقتضي للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليتراجعا كما كان أول مرة ، وأنه لما لم يشرع ذلك ، مع حرص امرأة رفاعة على رجوعها إليه ؛ دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها .

                        وهو أصل صحيح ، إذا اعتبر وضح به ما نحن بصدده ؛ لأن التزام الدعاء بآثار الصلوات جهرا للحاضرين في مساجد الجماعات لو كان صحيحا شرعا أو جائزا ؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك أن يفعله .

                        وقد علل المنكر هذا الموضع بعلل تقتضي المشروعية ، وبنى على فرض أنه لم يأت ما يخالفه ، وأن الأصل الجواز في كل مسكوت عنه .

                        أما أن الأصل الجواز ؛ فيمتنع ؛ لأن طائفة من العلماء يذهبون إلى أن الأشياء قبل وجود الشرع على المنع دون الإباحة ، فما الدليل على ما قال من الجواز ؟

                        وإن سلمنا له ما قال ؛ فهل هو على الإطلاق أم لا ؟ أما في العاديات [ ص: 472 ] فمسلم ، ولا نسلم أن ما نحن فيه من العاديات ، بل من العبادات ، ولا يصح أن يقال فيما فيه تعبد : إنه مختلف فيه على قولين : هل هو على المنع أم هو على الإباحة ؟ بل هو أمر زائد على المنع ؛ لأن التعبديات إنما وضعها للشارع ، فلا يقال في صلاة سادسة ـ مثلا ـ إنها على الإباحة ، فللمكلف وضعها ـ على أحد القولين ـ ليتعبد بها لله ؛ لأنه باطل بإطلاق ، وهو أصل كل مبتدع يريد أن يستدرك على الشارع .

                        ولو سلم أنه من قبيل العاديات أو من قبيل ما يعقل معناه ؛ فلا يصح العمل به أيضا ؛ لأن ترك العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عمره ، وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم ؛ قد تقدم أنه نص في الترك ، وإجماع من كل من ترك ؛ لأن عمل الإجماع كنصه ؛ كما أشار مالك في كلامه .

                        وأيضا ؛ فما يعلل له لا يصح التعليل به :

                        وقد أتى الراد بأوجه منه :

                        ( أحدها ) : أن الدعاء بتلك الهيئة ليظهر وجه التشريع في الدعاء وأنه بآثار الصلوات مطلوب :

                        وما قاله يقتضي أن يكون سنة بسبب الدوام والإظهار في الجماعات والمساجد ، وليس بسنة اتفاقا منا ومنه ، فانقلب إذا وجه التشريع .

                        وأيضا ؛ فإن إظهار التشريع كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أولى ، فكانت تلك الكيفية المتكلم فيها أولى للإظهار ، ولما لم يفعله عليه الصلاة والسلام ؛ دل على ترك مع وجود المعنى المقتضي ، فلا يمكن بعد زمانه في تلك [ ص: 473 ] الكيفية إلا الترك .

                        ( والثاني ) : أن الإمام يجمعهم على الدعاء ليكون باجتماعهم أقرب إلى الإجابة .

                        وهذه العلة كانت في زمانه عليه السلام ؛ لأنه لا يكون أحد أسرع إجابة لدعائه منه ، إذ كان مجاب الدعوة بلا إشكال ، بخلاف غيره ، وإن عظم قدره في الدين ؛ فلا يبلغ رتبته ، فهو كان أحق بأن يزيدهم الدعاء لهم خمس مرات في اليوم والليلة زيادة إلى دعائهم لأنفسهم .

                        وأيضا ؛ فإن قصد الاجتماع على الدعاء لا يكون بعد زمانه أبلغ في البركة من اجتماع يكون فيه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فكانوا بالتنبيه لهذه المنقبة أولى .

                        ( والثالث ) : قصد التعليم للدعاء ليأخذوا من دعائه ما يدعون به لأنفسهم لئلا يدعوا بما لا يجوز عقلا أو شرعا :

                        وهذا التعليل لا ينهض ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان المعلم الأول ، ومنه تلقينا ألفاظ الأدعية ومعانيها ، وقد كان من العرب من يجهل قدر الربوبية فيقول :


                        رب العباد ما لنا وما لك أنزل علينا الغيث لا أبا لك

                        وقال الآخر :


                        لاهم إن كنت الذي بعهدي     ولم تغيرك الأمور بعدي

                        وقال الآخر :

                        [ ص: 474 ]

                        أبني ليتي لا أحبكم     وجد الإله بكم كما أجد

                        وهي ألفاظ يفتقر أصحابها إلى التعليم ، وكانوا أقرب عهد بجاهلية تعامل الأصنام معاملة الرب الواحد سبحانه ولا تنزهه كما يليق بجلاله ، فلم يشرع لهم دعاء بهيئة الاجتماع في آثار الصلوات دائما ليعلمهم أو يعينهم على التعلم إذا صلوا معه ، بل علم في مجالس التعليم ، ودعا لنفسه إثر الصلاة حين بدا له ذلك ، ولم يلتفت إذ ذاك إلى النظر للجماعة ، وهو كان أولى الخلق بذلك .

                        ( والرابع ) : أن في الاجتماع على الدعاء تعاونا على البر والتقوى ، وهو مأمور به .

                        وهذا الاجتماع ضعيف ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أنزل عليه : وتعاونوا على البر والتقوى ، وكذلك فعل ، ولو كان الاجتماع للدعاء إثر الصلاة جهرا للحاضرين من باب البر والتقوى ؛ لكان أول سابق إليه ، لكنه لم يفعله أصلا ، ولا أحد بعده ، حتى حدث ما حدث ، فدل على أنه ليس على ذلك الوجه بر ولا تقوى .

                        ( والخامس ) : أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي ، فربما لحن ، فيكون اللحن سبب عدم الإجابة ، وحكي عن الأصمعي في ذلك حكاية شعرية لا فقهية .

                        وهذا الاجتماع إلى اللعب أقرب منه إلى الجد ، وأقرب ما فيه أن أحدا من العلماء لا يشترط في الدعاء أن لا يلحن ؛ كما يشترط الإخلاص ؛ [ ص: 475 ] وصدق التوجيه ؛ وعزم المسألة . . . . وغير ذلك من الشروط .

                        وتعلم اللسان العربي لإصلاح الألفاظ في الدعاء ـ وإن كان الإمام أعرف به ـ هو كسائر ما يحتاج إليه الإنسان من أمر دينه ، فإن كان الدعاء مستحبا ؛ فالقراءة واجبة ، والفقه في الصلاة كذلك ، فإن كان تعليم الدعاء إثر الصلاة مطلوبا ؛ فتعليم فقه الصلاة آكد ، فكان من حقه أن يجعل ذلك من وظائف آثار الصلاة .

                        فإن قيل بموجبه في المحرف المتعارف ؛ فهذه القاعدة تجتث أصله ؛ لأن السلف الصالح كانوا أحق بالسبق إلى فضله ؛ لجميع ما ذكر فيه من الفوائد ، ولذلك قال مالك فيها : " أترى الناس اليوم كانوا أرغب في الخير ممن مضى ؟ " ، وهو إشارة إلى الأصل المذكور ، وهو أن المعنى المقتضى للإحداث ـ وهو الرغبة في الخير ـ كان أتم في السلف الصالح ، وهم لم يفعلوه ، فدل على أنه لا يفعل .

                        وأما ما ذكر من آداب الدعاء ؛ فكله لا يتعين له إثر الصلاة ؛ بدليل أن رسول الله عليه وسلم علم منها جملة كافية ولم يعلم منها شيئا إثر الصلاة ، ولا تركهم دون تعليم ليأخذوا ذلك منه في آخر الصلاة ، أو ليستغنوا بدعائه عن تعليم ذلك ، ومع أن الحاضرين للدعاء لا يحصل لهم في الإمام في ذلك كبير شيء ، وإن حصل فلمن كان قريبا منه دون من بعد .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية