الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء الثلاثة أن يعتزلوا نساءهم لما مضى لهم أربعون ليلة كالبشارة بمقدمات الفرج والفتح من وجهين :

أحدهما : كلامه لهم ، وإرساله إليهم بعد أن كان لا يكلمهم بنفسه ولا برسوله .

الثاني : من خصوصية أمرهم باعتزال النساء ، وفيه تنبيه وإرشاد لهم إلى الجد والاجتهاد في العبادة ، وشد المئزر ، واعتزال محل اللهو واللذة والتعوض عنه بالإقبال على العبادة ، وفي هذا إيذان بقرب الفرج ، وأنه قد بقي من العتب أمر يسير .

وفقه هذه القصة ، أن زمن العبادات ينبغي فيه تجنب النساء ، كزمن الإحرام ، وزمن الاعتكاف ، وزمن الصيام ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون آخر هذه المدة في حق هؤلاء بمنزلة أيام الإحرام والصيام في توفرها على العبادة ، ولم يأمرهم بذلك من أول المدة رحمة بهم وشفقة عليهم ، إذ لعلهم يضعف صبرهم عن نسائهم في جميعها ، فكان من اللطف بهم والرحمة أن أمروا بذلك في آخر المدة ، كما يؤمر به الحاج من حين يحرم ، لا من حين يعزم على الحج .

وقول كعب لامرأته : الحقي بأهلك ، دليل على أنه لم يقع بهذه اللفظة وأمثالها طلاق ما لم ينوه . والصحيح أن لفظ الطلاق والعتاق والحرية كذلك إذا أراد به غير تسييب الزوجة ، وإخراج الرقيق عن ملكه ، لا يقع به طلاق ولا عتاق ، هذا هو الصواب الذي ندين الله به ، ولا نرتاب فيه البتة . فإذا قيل له : إن غلامك [ ص: 511 ] فاجر أو جاريتك تزني ، فقال : ليس كذلك ، بل هو غلام عفيف حر ، وجارية عفيفة حرة ، ولم يرد بذلك حرية العتق ، وإنما أراد حرية العفة ، فإن جاريته وعبده لا يعتقان بهذا أبدا ، وكذا إذا قيل له : كم لغلامك عندك سنة ؟ فقال هو عتيق عندي ، وأراد قدم ملكه له ، لم يعتق بذلك ، وكذلك إذا ضرب امرأته الطلق ، فسئل عنها ، فقال : هي طالق ، ولم يخطر بقلبه إيقاع الطلاق ، وإنما أراد أنها في طلق الولادة لم تطلق بهذا ، وليست هذه الألفاظ مع هذه القرائن صريحة إلا فيما أريد بها ودل السياق عليها ، فدعوى أنها صريحة في العتاق والطلاق مع هذه القرائن مكابرة ، ودعوى باطلة قطعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية