الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : " المناسك" جمع منسك ، الذي هو المصدر بمنزلة النسك ، أي إذا قضيتم عباداتكم التي أمرتم بها في الحج ، وإن جعلتها جمع منسك الذي هو موضع العبادة ، كان التقدير : فإذا قضيتم أعمال مناسككم ، فيكون من باب حذف المضاف .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : قال بعض المفسرين : المراد من المناسك ههنا ما أمر الله تعالى به الناس في الحج من العبادات ، وعن مجاهد أن قضاء المناسك هو إراقة الدماء .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : الفاء في قوله : ( فاذكروا الله ) يدل على أن الفراغ من المناسك يوجب هذا الذكر ، فلهذا اختلفوا في أن هذا الذكر أي ذكر هو ؟ فمنهم من حمله على الذكر على الذبيحة ، ومنهم من حمله على الذكر الذي هو التكبيرات بعد الصلاة في يوم النحر وأيام التشريق ، على حسب اختلافهم في وقته أولا وآخرا ؛ لأن بعد الفراغ من الحج لا ذكر مخصوص إلا هذه التكبيرات ، ومنهم من قال : بل المراد تحويل القوم عما اعتادوه بعد الحج من ذكر التفاخر بأحوال الآباء ؛ لأنه تعالى لو لم ينه عن ذلك بإنزال هذه الآية لم يكونوا ليعدلوا عن هذه الطريقة الذميمة ، فكأنه تعالى قال : فإذا قضيتم وفرغتم من واجبات الحج وحللتم ، فتوفروا على ذكر الله دون ذكر الآباء ، ومنهم من قال : بل المراد منه أن الفراغ من الحج يوجب الإقبال على الدعاء والاستغفار ، وذلك لأن من تحمل مفارقة الأهل والوطن وإنفاق الأموال ، والتزام المشاق في سفر الحج فحقيق به بعد الفراغ منه أن يقبل على الدعاء والتضرع وكثرة الاستغفار والانقطاع إلى الله تعالى ، وعلى هذا جرت السنة بعد الفراغ من الصلاة بالدعوات الكثيرة . وفيه وجه خامس : وهو أن المقصود من الاشتغال بهذه العبادة : قهر النفس ومحو آثار النفس والطبيعة ، ثم هذا العزم ليس مقصودا بالذات ، بل المقصود منه أن تزول النقوش الباطلة عن لوح الروح حتى يتجلى فيه نور جلال الله ، والتقدير : فإذا قضيتم مناسككم وأزلتم آثار البشرية ، وأمطتم الأذى عن طريق السلوك فاشتغلوا بعد ذلك بتنوير القلب بذكر الله ، فالأول نفي ، والثاني إثبات ، والأول إزالة ما دون الحق من سنن الآثار ، والثاني استنارة القلب بذكر الملك الجبار .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية