الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 628 ) مسألة : قال : ( وإذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ، ثم علم أنه قد أخطأ القبلة ، لم يكن عليه إعادة ) وجملته أن المجتهد إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ، ثم بان له أنه صلى إلى غير جهة الكعبة يقينا ، لم يلزمه الإعادة . وكذلك المقلد الذي صلى بتقليده . وبهذا قال مالك ، وأبو حنيفة . والشافعي في أحد قوليه .

                                                                                                                                            وقال في الآخر : يلزمه الإعادة ; لأنه بان له الخطأ في شرط من شروط الصلاة ، فلزمته الإعادة ، كما لو بان له أنه صلى قبل الوقت ، أو بغير طهارة أو ستارة .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، في ليلة مظلمة ، فلم ندر أين القبلة ، فصلى كل رجل حياله ، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل : { فأينما تولوا فثم وجه الله } } . رواه ابن ماجه ، والترمذي ، وقال : حديث حسن إلا أنه من حديث أشعث السمان ، وفيه ضعف .

                                                                                                                                            وعن عطاء ، عن جابر ، قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ، فأصابنا غيم ، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة ، فصلى كل رجل منا على حدة ، وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا ، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا بالإعادة ، وقال : قد أجزأتكم صلاتكم } . رواه الدارقطني ، وقال : رواه محمد بن سالم ، عن عطاء ، ويروى أيضا عن محمد بن عبد الله العمري ، عن عطاء . وكلاهما ضعيف . وقال العقيلي : لا يروى متن هذا الحديث من وجه يثبت .

                                                                                                                                            وروى مسلم في " صحيحه " ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس ، فنزلت : { قد نرى تقلب وجهك في السماء ، فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } . فمر رجل ببني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر ، وقد صلوا ركعة ، فنادى : ألا إن القبلة قد حولت . فمالوا كلهم نحو القبلة } .

                                                                                                                                            ومثل هذا لا يختفي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يترك إنكاره إلا وهو جائز . وقد كان ما مضى من صلاتهم بعد تحويل القبلة إلى الكعبة وهو صحيح . ولأنه أتى بما أمر ، فخرج عن العهد ، كالمصيب ، ولأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر ، فلم تجب عليه الإعادة ، كالخائف يصلي إلى غيرها ، ولأنه شرط عجز عنه ، فأشبه سائر الشروط . وأما المصلي قبل الوقت فإنه لم يؤمر بالصلاة ، وإنما أمر بعد دخول الوقت [ ص: 269 ] ولم يأت بما أمر ، بخلاف مسألتنا ، فإنه مأمور بالصلاة بغير شك ، ولم يؤمر إلا بهذه الصلاة ، وسائر الشروط ، إذا عجز عنها ، سقطت ، كذا هاهنا ، وأما إذا ظن وجودها فأخطأ ، فليست في محل الاجتهاد ، فنظيره : إذا اجتهد في مسألتنا في الحضر ، فأخطأ .

                                                                                                                                            ( 629 ) فصل : ولا فرق بين أن تكون الأدلة ظاهرة مكشوفة فاشتبهت عليه ، أو مستورة بغيم أو شيء يسترها عنه ، بدليل الأحاديث التي رويناها ، فإن الأدلة استترت عنهم بالغيم ، فلم يعيدوا ، ولأنه أتى بما أمر به في الحالين ، وعجز عن استقبال القبلة في الموضعين ، فاستويا في عدم الإعادة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية