الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وأما المخير فله أمثلة : أحدها ما لا تلزمه الطهارة بالماء لاحتياجه إلى ثمنه فإنه مخير بين شراء الماء للطهارة وبين الصلاة بالتيمم . [ ص: 243 ]

المثال الثاني : تخير المتوضئ بين المرة والمرتين والثلاث وكذلك التخير في غسل النجاسات .

المثال الثالث : التخير بين الاستنجاء بالماء والاستجمار بالأحجار والعزيمة أفضل .

المثال الرابع : التخير بين تقديم الصلوات في أوائل الأوقات وبين تأخيرها ، وتقديمها أفضل إلا لانتظار الجماعة على قول ، أو لتيقن وجود الماء في آخر الوقت ، أو للإبراد على المذهب أو في العشاء الآخرة على قول .

المثال الخامس : التخيير في تخفيف الصلاة على الجماعات وتطويلها ، وتخفيفها أفضل إلا أن يؤثر التطويل .

المثال السادس : التخيير في القصر والإتمام فيما دون ثلاثة أيام ، والعزيمة أفضل خروجا من خلاف العلماء .

المثال السابع : التخير في الصلوات في مسيرة ثلاثة أيام فما زاد والقصر أفضل فيما دون ثلاثة أيام ، وكذلك فيما بعدها على الأصح .

المثال الثامن : التخير بين جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء في الأسفار والعزيمة أفضل إلا بعرفة ومزدلفة فإن جمع التقديم بعرفة أولى ، وجمع التأخير بمزدلفة أفضل ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك والخلفاء الراشدون بعده وعليه درج الناس ، وكان الأغلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره تفريق الصلوات على أوقاتها .

المثال التاسع : التخير في الخطب بين التطويل والتقصير ، والتقصير أفضل . [ ص: 244 ] المثال العاشر : يتخير المعذور الذي لا تلزمه الجمعة بينها وبين الظهر ، والجمعة أفضل .

المثال الحادي عشر : من عنده ثلاثون من البقر فإنه يخير بين المسنة والتبيع والمسنة أفضل .

المثال الثاني عشر : من عنده خمس من الإبل فإنه مخير بين شاة وبنت المخاض وابن لبون وبنت لبون وحق وحقة وجذع وجذعة وثني وثنية ، وكذلك الحكم في كل سن مع ما فوقه .

المثال الثالث عشر : من عنده مائتان من الإبل فإنه مخير بين أربع حقاق وخمس بنات لبون أو تلزمه الحقاق أو يختار الساعي الأصلح للفقراء ؟ فيه خلاف .

المثال الرابع عشر : التخير بين إخراج الجيد والأجود في الزكاة ، والأجود أفضل لما فيه من إيثار الفقراء .

المثال الخامس عشر : التخير في الجبران بين الشاتين والعشرين درهما ، وأنفعهما للفقراء أفضل .

المثال السادس عشر : التخير في الجبر بين السن الأعلى والأدنى وخيرهما للفقراء أفضل .

المثال السابع عشر : التخير بين تعجيل زكاة الضال المغصوب والدين المؤجل ، وبين التأخير إلى الحضور والتمكن من قبضه والتعجيل أفضل لما فيه من إرفاق الفقراء .

المثال الثامن عشر : التخير في تقديم الزكاة على أحد سنى وجوبها .

المثال التاسع عشر : التخير بين تقديم الكفارات بعد وجوبها وبين تأخيرها ، وتقديمها أفضل . [ ص: 245 ] المثال العشرون : يتخير المعتكف في المساجد ، وفي المسجد الجامع أفضل .

المثال الحادي والعشرون : التخير بين التمتع والإفراد والقران والإبهام .

المثال الثاني والعشرون : التخير بين المشي والركوب في الحج والعمرة ، والمشي أفضل على القديم ، والركوب أفضل على الجديد لإعانته على مقاصد النسكين .

المثال الثالث والعشرون : التخير بين الصيام بعرفة وبين الإفطار ، والإفطار أفضل لأنه أعون على أذكار عرفة .

المثال الرابع والعشرون : التخير في التضحية بين الإبل والبقر وسبع من الغنم ، والبعير أفضل من البقر ، والبقر أفضل من الشاة ، وسبع من الإبل أفضل من سبع من البقر : وسبع من البقر أفضل من سبع من الغنم ، وسبع من الغنم أفضل من البدنة ، ولا يدل التخيير بين الأشياء الواجبات والمندوبات على التساوي في المصالح والفضائل لما ذكرناه في هذه الأمثلة من تقديم الجمعة على الظهر ، وتقديم الاستنجاء على الاستجمار ، وتقديم الجذعة على الشاة .

المثال الخامس والعشرون : بدل جزاء الصيد ، وهو مخير بين المثل والطعام والصيام .

المثال السادس والعشرون : كفارة الحلق في العمرة أو الحج وهي مخيرة بين النسك والإطعام والصيام .

المثال السابع والعشرون : كفارة اليمين وهو مخير بين التحرير [ ص: 246 ] والكسوة والإطعام ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فهذه كفارة مخيرة مرتبة .

المثال الثامن والعشرون : يخير من ثبت له فسخ عقد بين الفسخ والإمضاء وفعله ما هو الأغبط للمفسوخ عليه .

المثال التاسع والعشرون : تخير الشفيع بين الأخذ والعفو ، والعفو أفضل إلا أن يكون المشتري نادما مغبونا .

المثال الثلاثون : تخير الولي المجبر بين الأكفاء المتساوين .

المثال الحادي والثلاثون : تخير المرأة في تقديم بعض الأولياء عند اتحاد الدرجة ، وتخصيص الإذن : بالأسن أولى وأفضل .

المثال الثاني والثلاثون : تخير الرجال في السفر بالنساء أو الإقامة بهن وفعل الأرفق أفضل .

المثال الثالث والثلاثون : تخير الرجال في تعيين المساكن ، وتعيين الأرفق بالنساء أفضل .

المثال الرابع والثلاثون : تخير الرجال بين الجماع وتركه ، وفعل الأصلح للزوجين أفضل .

فإن قيل : لم خير الرجل في الاستمتاع وأجبرت المرأة ؟ قلنا : لو خيرت النساء لعجز الرجال عن إجابتهن إذ لا تطاوعهم القوى على إجابتهن ، ولا يتأتى لهم ذلك في كثير من الأحوال لضعف القوى وعدم الاستنشار والمرأة يمكنها التمكن في كل وقت وحين . فإن قيل : لم جعل الطلاق بيد الرجال دون النساء ؟ قلنا : لوفور عقول [ ص: 247 ] الرجال ومعرفتهم بما هو الأصلح من الطلاق والتلاق والاتصال والافتراق .

فإن قيل لم جوز للرجال الطلاق مع ما فيه من كسر النساء وأذيتهن ؟ لأن الرجل قد يكره المرأة ويسوءها لسوء أخلاقها أو لدمامة خلقها أو لسبب من الأسباب ، فلو ألزم بإمساكها فيما بقي من عمره بحيث لا يقدر على دفع ذلك الضرر لعظم الإضرار بالرجال . فإن قيل : فهلا شرع الطلاق مرة واحدة كي لا يتكرر على النساء كسر الطلاق مع ما فيه من شدة البلاء وشماتة الأعداء ؟ قلنا : لو جوز الشرع الطلاق من غير حصر لعظم الإضرار بالنساء ، ولو قصر على مرة واحدة لتضرر الرجال ، فإن الندم يلحق المطلق بعد انقضاء العدة في كثير من الأحوال فقصر الطلاق على الثلاث لأن الثلاث قد عرفت في مواطن الشريعة كإحداد النساء على الموتى والتهاجر بين أهل الإسلام .

فإن قيل : لم فضل الرجال على النساء بتحذيرهن والحكم عليهن والإلزام بالسفر والمقام ؟ وفضل النساء على الرجال بإيجاب النفقة والكسوة والإسكان مع استوائهم في نيل المراد وقضاء الأوطار ، قلنا : لما جعل للرجال التحكم عليهن في التحذير والتسفير والإلزام بالتمكين ، جعل لهن ذلك جبرا لما جعل عليهن من أحكام الرجال في الانفصال والاتصال ولزوم المساكن وتعيين الديار والمواطن ، فأوجب الله لكل واحد منهما ما يليق بحاله إذ لا قدرة للنساء في الغالب على اكتساب الكسوة والنفقة وتحصيل المساكن ، وماعون الدار ولا يليق بالرجال الكاملة أديانهم وعقولهم أن تحكم عليهم النساء لنقصان عقولهن وأديانهن وفي ذلك كسر لنخوة الرجال مع غلبة المفاسد فيما يحكم به النساء على الرجال وقد قال عليه السلام : { لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } .

[ ص: 248 ] فإن قيل : لم اعتبرت المساكن بحال النساء والنفقات والكسي بحال الرجال قلنا : المرأة تتعير بالمسكن الخسيس الذي لا يناسب حالها لأنه مشاهد لا يخفى على أوليائها وأعدائها ، بخلاف الكسوة والطعام فإنهما لا يشاهدان في أغلب الأحوال فكان تضررها بالمسكن الخسيس أعظم من تضررها بأكل الرديء ولبس الخسيس .

المثال الخامس والثلاثون : من أمثلة التخير : إذا زاد العدو على ضعف المسلمين فالغزاة مخيرون بين الثبوت والانهزام إذا لم يخش الاصطلام . المثال السادس والثلاثون : تخير الأئمة والقضاة بين جلب المصالح المتساوية ودرء المفاسد المتساوية ، وكذلك تخير الآحاد عند تماثل المصالح والمفاسد .

التالي السابق


الخدمات العلمية