الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 133 ] أبواب السواك وسنن الفطرة باب الحث على السواك وذكر ما يتأكد عنده

                                                                                                                                            118 - ( عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { السواك مطهرة للفم مرضاة للرب } . رواه أحمد والنسائي وهو للبخاري تعليق ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            وأخرجه أيضا ابن حبان موصولا من حديث عبد الرحمن بن أبي عتيق سمعت أبي سمعت عائشة بهذا ، قال ابن حبان : أبو عتيق هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة . وقال الحافظ : إنما هو من رواية ابنه عبد الله عنها قال : ورواه أحمد بن حنبل عن عبد الله عنها ، وقد طول الكلام عليه في التلخيص .

                                                                                                                                            قوله : ( أبواب السواك وسنن الفطرة ) قال أهل اللغة : السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل ، وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر . قال الليث : وتؤنثه العرب ، قال الأزهري : هذا من أغاليط الليث القبيحة . وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر ، والسواك فعلك بالمسواك ، ويقال : ساك فمه يسوكه سوكا فإن قلت : استاك لم تذكر الفم . وجمع السواك : سوك بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب المحكم أنه يجوز سؤك بالهمزة ، قال النووي ثم قيل : إن السواك مأخوذ من ساك إذا أدلك . وقيل : من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالا . وهو في اصطلاح العلماء : استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب الصفرة وغيرها عنها . وأما الفطرة فقد اختلف العلماء في المراد بها ههنا ، قال الخطابي ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة ، وكذا ذكر جماعة غير الخطابي .

                                                                                                                                            وقيل : هي الدين ، حكاه في الفتح عن طائفة من العلماء وبه جزم أبو نعيم في المستخرج . وقال الراغب : أصل الفطرة الشق طولا ويطلق على الوهي وعلى الاختراع . وقال أبو شامة أصل الفطرة الخلقة المبتدأة ومنه - { فاطر السموات والأرض } - أي مبتدئ خلقهن ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : { كل مولود يولد على الفطرة } أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه وفيه إشارة إلى قوله تعالى: { فطرة الله التي فطر الناس عليها } والمعنى أن كل أحد لو ترك في وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد . ويؤيده أيضا قوله تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله } وإليه يشير في بقية الحديث حيث عقبه بقوله : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) .

                                                                                                                                            والحديث يدل على مشروعية السواك لأنه سبب لتطهير الفم وموجب لرضا الله على فاعله ، وقد أطلق فيه السواك ولم يخصه بوقت معين ولا بحالة مخصوصة فأشعر بمطلق شرعيته [ ص: 134 ] وهو من السنن المؤكدة وليس بواجب في حال من الأحوال لما سيأتي في حديث أبي هريرة : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك } ونحوه .

                                                                                                                                            قال النووي بإجماع من يعتد به في الإجماع ، وحكى أبو حامد الإسفرايني عن داود الظاهري أنه أوجبه في الصلاة وحكى الماوردي عنه أنه واجب لا تبطل الصلاة بتركه ، وحكي عن إسحاق بن راهويه أنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمدا . قال النووي : وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا : مذهبه أنه سنة كالجماعة ، ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفه في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون . قال : وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه انتهى .

                                                                                                                                            وعدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية ، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين ، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر ، وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة ولكن : لهوى النفوس سريرة لا تعلم قال النووي : والسواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابا : أحدها : عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا .

                                                                                                                                            الثاني : عند الوضوء . الثالث : عند قراءة القرآن . الرابع : عند الاستيقاظ من النوم . الخامس : عند تغير الفم ، وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة . ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام . وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات التي ذكرها وسيأتي ذكر بعضها في هذا الباب . قال : ومذهب الشافعي أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا تزول رائحة الخلوف المستحبة وسيأتي الكلام عليه في باب السواك للصائم إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            ويستحب أن يستاك بعود من أراك وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك كالخرقة الخشنة والأشنان ، وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها إلا أن يكون موافقا لما ورد عن الشارع ، ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات حتى يكاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار ، وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار .

                                                                                                                                            قوله : ( مطهرة للفم ) المطهرة [ ص: 135 ] بكسر الميم وتفتح قال في الديوان : الفتح أفصح .

                                                                                                                                            119 - ( وعن زيد بن خالد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لولا أن أشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ولأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } . رواه أحمد والترمذي وصححه ) . الحديث رواه الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ : { لفرضت عليهم السواك مع الوضوء ولأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل } .

                                                                                                                                            وروى النسائي الجملة الأولى ، ورواه العقيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أخرى عن سعيد به . ورواه أبو داود ومسلم بلفظ : { لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء ، والسواك عند كل صلاة } . ورواه أيضا أبو داود عن زيد بن خالد باللفظ الذي في الكتاب . ورواه البزار وأحمد من حديث علي نحوه ، وروى الجملة الأولى أيضا الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة .

                                                                                                                                            ولفظ الترمذي : " إلى ثلث الليل أو نصفه " ولفظ أحمد وابن حبان : " إلى ثلث الليل " ولم يشك ، وروى الجملة الثانية النسائي وأحمد وابن خزيمة من حديث أبي هريرة وعلقها البخاري وروى ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة } وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه بسند عن أم حبيبة : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون } .

                                                                                                                                            والحديث يدل على ندبية تأخير العشاء إلى ثلث الليل لأن لولا لامتناع الثاني لوجود الأول ، فإذا ثبت وجود الأول ثبت امتناع الثاني وبقي الندب . ومحل الكلام على هذه الجملة الصلاة إن شاء الله تعالى . ويدل أيضا على ندبية السواك بمثل ما ذكرناه في صلاة العشاء ، ويرد على من قال : لا يستحب السواك للصلاة ، وقد نسبه في البحر إلى الأكثر ويرد مذهب الظاهرية القائلين بالوجوب إن صح عنهم وقد سبق كلام النووي في ذلك .

                                                                                                                                            120 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } . رواه الجماعة ، وفي رواية لأحمد : { لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء } ، وللبخاري تعليق : " لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " . قال : ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم ) . [ ص: 136 ] الحديث قال ابن منده : إسناده مجمع على صحته .

                                                                                                                                            وقال النووي : غلط بعض الأئمة الكبار فزعم أن البخاري لم يخرجه وهو خطأ منه ، وقد أخرجه من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وليس هو في الموطأ من هذا الوجه بل هو فيه عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة ، قال : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء } ولم يصرح برفعه . قال ابن عبد البر : وحكمه الرفع ، وقد رواه الشافعي عن مالك مرفوعا ، وفي الباب عن زيد بن خالد عند الترمذي وأبي داود ، وعن علي عند أحمد ، وعن أم حبيبة عند أحمد أيضا ، وعن عبد الله بن عمرو وسهل بن سعد وجابر وأنس عند أبي نعيم . قال الحافظ : وإسناد بعضها حسن . وعن ابن الزبير عند الطبراني ، وعن ابن عمر وجعفر بن أبي طالب عند الطبراني أيضا .

                                                                                                                                            والحديث يدل على أن السواك غير واجب ، وعلى شرعيته عند الوضوء وعند الصلاة لأنه إذا ذهب الوجوب بقي الندب كما تقدم وعلى أن الأمر للوجوب لأن كلمة لولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره فيدل على انتفاء الأمر لوجود المشقة ، والمنفي لأجل المشقة إنما هو الوجوب لا الاستحباب ، فإن استحباب السواك ثابت عند كل صلاة فيقتضي ذلك أن الأمر للوجوب ، وفيه خلاف في الأصول على أقوال . ويدل الحديث أيضا على أن المندوب غير مأمور به لمثل ما ذكرناه ، وفيه أيضا خلاف في الأصول مشهور . ويدل أيضا على أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالاجتهاد ولا يتوقف حكمه على النص لجعله المشقة سببا لعدم الأمر منه ، ولو كان الأمر موقوفا على النص لكان سبب عدم الأمر منه عدم النص لا مجرد المشقة ، وفيه احتمال للبحث والتأويل كما قاله ابن دقيق العيد .

                                                                                                                                            وهو أيضا يدل بعمومه على استحباب السواك للصائم بعد الزوال لأن الصلاتين الواقعتين بعده داخلتان تحت عموم الصلاة ، فلا تتم دعوى الكراهة إلا بدليل يخصص هذا العموم وسيأتي الكلام على ذلك .

                                                                                                                                            121 - ( وعن المقدام بن شريح عن أبيه قال : { قلت لعائشة رضي الله عنها : بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك } . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي ) . الحديث رواه ابن حبان في صحيحه .

                                                                                                                                            وفيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره لعدم تقييده بوقت الصلاة والوضوء . [ ص: 137 ]

                                                                                                                                            122 - ( وعن حذيفة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك } . رواه الجماعة إلا الترمذي ، والشوص : الدلك . وللنسائي عن حذيفة قال : { كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل } ) . الحديث متفق عليه من حديث حذيفة بلفظ : { كان إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك } .

                                                                                                                                            وفي لفظ مسلم : { كان إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك } واستغرب ابن منده هذه الزيادة ، وقد رواها الطبراني من وجه آخر بلفظ : { كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل } ، ورواه أيضا النسائي كما في حديث الباب ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث ابن عباس في قصة نومه عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فلما استيقظ من منامه أتى طهوره فأخذ سواكه فاستاك } .

                                                                                                                                            وفي رواية أبي داود التصريح بتكرار ذلك .

                                                                                                                                            وفي رواية للطبراني { كان يستاك من الليل مرتين أو ثلاثا } وفي رواية له عن الفضل بن عباس { لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى الصلاة بالليل إلا استن } ورواه أبو داود من حديث عائشة بلفظ : { كان يوضع له سواكه ووضوؤه فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك } . وصححه ابن منده ورواه ابن ماجه والطبراني من وجه آخر عن ابن أبي مليكة عنها ، وصححه الحاكم وابن السكن . ورواه أبو داود عن عائشة أيضا بلفظ : { كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ } وفيه علي بن زيد .

                                                                                                                                            وفي الباب عن ابن عمر عند أحمد ، وعن معاوية عند الطبراني وإسناده ضعيف . وعن أنس عند البيهقي وعن أبي أيوب عند أبي نعيم ، قال الحافظ : وكلها ضعيفة .

                                                                                                                                            قوله : ( يشوص ) بضم المعجمة وبسكون الواو ، وشاصه يشوصه وماصه يموصه إذا غسله ، والشوص بالفتح : الغسل والتنظيف ، كذا في الصحاح . وقيل : الغسل . وقيل : التنقية . وقيل : الدلك . وقيل : الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق ، وعكسه الخطابي فقال : هو دلك الأسنان بالسواك والأصابع عرضا . والحديث يدل على استحباب السواك عند القيام من النوم لأنه مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة ، والسواك ينظفه ولهذا أرشد إليه . وظاهر قوله من الليل ومن النوم العموم لجميع الأوقات .

                                                                                                                                            قال ابن دقيق العيد : ويحتمل أن يخص بما إذا قام إلى الصلاة ، قال الحافظ : ويدل عليه رواية البخاري بلفظ : " إذا قام للتهجد " ، ولمسلم نحوه انتهى . فيحمل المطلق على المقيد ، ولكنه بعد معرفة أن العلة التنظيف لا يتم ذلك لأنه مندوب إليه في جميع الأحوال . [ ص: 138 ]

                                                                                                                                            123 - ( وعن عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا فيستيقظ إلا تسوك } . رواه أحمد وأبو داود ) . الحديث أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وقد تقدم الكلام عليه وعلى فقهه في الذي قبله .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية