الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ

                                                                                                          179 حدثنا هناد حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود قال قال عبد الله بن مسعود إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء قال وفي الباب عن أبي سعيد وجابر قال أبو عيسى حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها وإن لم يقم أجزأه وهو قول الشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن أبي الزبير ) اسمه محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي ، صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة ، كذا في التقريب .

                                                                                                          قوله : ( شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات ) قال الحافظ في الفتح : في قوله أربع [ ص: 452 ] صلوات تجوز ؛ لأن العشاء لم تكن فاتت ، انتهى . ويدل حديث جابر الآتي على أنهم شغلوه عن صلاة العصر وحدها ، قال اليعمري : من الناس من رجح ما في الصحيحين ، وصرح بذلك ابن العربي أن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر . قال الحافظ في الفتح : ويؤيده حديث علي في مسلم : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " قال : ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما ، فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام ، قال : وهذا أولى ، قال : ويقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر ، بل فيهما أن قضاءه للصلاة بعد خروج وقت المغرب ، وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك عقب غروب الشمس . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          ( فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء ) فيه دليل على أن الفوائت تقضى مرتبة الأولى فالأولى ، قال الحافظ : والأكثر على وجوب ترتيب الفوائت مع الذكر لا مع النسيان ، وقال الشافعي لا يجب الترتيب فيها ، واختلفوا فيما إذا تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة ، أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير؟ فقال بالأول مالك ، وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث ، وقال بالثالث أشهب ، وقال عياض محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت ، وأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة ، واختلفوا في حد القليل فقيل صلاة يوم ، وقيل أربع صلوات ، وقال : ولا ينهض الاستدلال به -يعني بحديث جابر الآتي- لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت ، إلا إذا قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب إلا أن يستدل بعموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي فيقوى وقد اعتبر الشافعية في أشياء غير هذه ، انتهى .

                                                                                                          قلت : استدل صاحب الهداية على وجوب ترتيب الفوائت بحديث الباب بضم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي حيث قال : ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا ، ثم قال : صلوا كما رأيتموني أصلي . انتهى . قال الحافظ ابن حجر في الدراية : في قول المصنف -يعني صاحب الهداية- ثم قال صلوا إلى آخره ما يوهم أنه بقية من الحديث وليس كذلك ، بل هو حديث مستقل ، فلو قال : وقال صلوا لكان أولى . انتهى كلام الحافظ . وكذلك قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية ، واستدل الحنفية على فرضية الترتيب بين الوقتيات والفوائت وبين الفوائت بعضها ببعض بقول ابن عمر : من نسي صلاة من صلاته [ ص: 453 ] فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام ، فإذا سلم الإمام فليصل صلاته التي نسي ، ثم ليصل بعدها الصلاة الأخرى . أخرجه مالك في الموطأ ورواه الدارقطني والبيهقي مرفوعا ، ورفعه خطأ ، والصحيح أنه قول ابن عمر ، قال الحافظ في الدراية : حديث " من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام " رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا ، قال الدارقطني : وهم أبو إبراهيم الترجماني في رفعه ، والصحيح أنه من قول ابن عمر هكذا رواه مالك وغيره عن نافع ، وقال البيهقي : قد رواه يحيىبن أيوب عن سعيد بن عبد الرحمن شيخ أبي إبراهيم فيه فوقفه ، انتهى . وهذا الموقوف عند الدارقطني ، وحديث مالك في الموطأ ، وقال النسائي في الكنى : رفعه غير محفوظ ، وقال أبو زرعة : رفعه خطأ . انتهى ما في الدراية . واستدل على وجوب الترتيب أيضا بحديث " لا صلاة لمن عليه صلاة " قال العيني : قال أبو بكر هو باطل ، وتأوله جماعة على معنى لا نافلة لمن عليه فريضة ، وقال ابن الجوزي : هذا نسمعه على ألسنة الناس وما عرفت له أصلا ، انتهى .

                                                                                                          قوله ( وفي الباب عن أبي سعيد وجابر ) أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد والنسائي " قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل " الحديث ، وفيه " فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ، ثم أمره فأقام العصر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ، ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك " وقال : وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف فإن خفتم فرجالا أو ركبانا وإسناده صحيح ، وأما حديث جابر فأخرجه البخاري ومسلم ، وأخرجه الترمذي في هذا الباب .

                                                                                                          قوله : ( حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله ) فالحديث منقطع لكنه يعتضد بحديث أبي سعيد المذكور ، وهذا الحديث أخرجه أيضا النسائي .

                                                                                                          قوله : ( وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها ) وهو المذهب الراجح المختار يدل عليه حديث الباب وحديث أبي سعيد المذكور .




                                                                                                          الخدمات العلمية