الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          4 4 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ) بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني قاضيها ، روى عن أنس وعدي بن ثابت وخلق ، وعنه مالك والسفيانان وأبو حنيفة ، ثقة ثبت من الحفاظ ، قال أحمد : أثبت الناس مات سنة أربع وأربعين ومائة ، أو بعدها أو قبلها بسنة .

                                                                                                          ( عن عمرة بنت عبد الرحمن ) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ، ثقة حجة ، كانت في حجر عائشة وأكثرت عنها .

                                                                                                          قال ابن المديني : هي أحد الثقات العلماء بعائشة الأثبات فيها ، وهي والدة أبي الرجال ماتت قبل المائة ويقال بعدها .

                                                                                                          ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بكسر الهمزة وإسكان النون مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واللام في ( ليصلي الصبح ) هي الفارقة عند البصريين بين المخففة والنافية ، الكوفيون يجعلونها بمعنى " إلا " وإن نافية .

                                                                                                          ( فينصرف النساء ) حال كونهن ( متلفعات ) قال ابن عبد البر : رواه يحيى وجماعة بفاءين ، ورواه كثيرون بفاء ثم عين مهملة ، وعزاه عياض لأكثر رواة الموطأ ، قال الأصمعي : التلفع أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده .

                                                                                                          وفي النهاية : اللفاع ثوب يجلل به الجسد كله ثوبا كان أو غيره ، وتلفع بالثوب اشتمل به .

                                                                                                          وقال عبد الملك بن حبيب في شرح الموطأ : التلفع أن يلقي الثوب على رأسه ثم يلتف به لا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس ، وأخطأ من قال : إنه مثل الاشتمال ، وأما التلفف فيكون مع تغطية الرأس وكشفه ، ودليل ذلك قول عبيد بن الأبرص :


                                                                                                          كيف يرجون سقاطي بعدما لفع الرأس مشيب وصلع



                                                                                                          وفي شرح المسند للرافعي : التلفع بالثوب الاشتمال به . وقيل : الالتحاف مع تغطية الرأس .

                                                                                                          [ ص: 81 ] ( بمروطهن ) بضم الميم جمع مرط - بكسرها - أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها قال :

                                                                                                          تساهم ثوباها ففي الدرع رأدة وفي المرط لفاوان ردفهما عبل قاله الجوهري . وقال الرافعي : كساء من صوف أو خز أو كتان عن الخليل ، ويقال : هو الإزار ، ويقال درع المرأة .

                                                                                                          وفي المحكم : هو الثوب الأخضر .

                                                                                                          وفي مجمع الغرائب : المروط أكسية من شعر أسود ، وعن الخليل : أكسية معلمة ، وقال ابن الأعرابي : هي الإزار .

                                                                                                          وقال ابن الأثير : لا يكون المرط إلا درعا وهو من خز أخضر ، ولا يسمى المرط إلا الأخضر ، ولا يلبسه إلا النساء .

                                                                                                          زاد بعضهم : أن تكون مربعة وسداها من شعر .

                                                                                                          وقال ابن حبيب : كساء صوف رقيق خفيف مربع كان النساء يأتزرن به ويتلفعن .

                                                                                                          ( ما يعرفن ) أهن نساء أم رجال ؟ قاله الداودي وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان ، فلو كان ذلك المراد لعبر بنفي العلم .

                                                                                                          وقال غيره : يحتمل لا تعرف أعيانهن وإن عرفن أنهن نساء وإن كن مكشفات الوجوه حكاه عياض ، وحذف النووي الجملة الأخيرة وقال : هذا ضعيف ؛ لأن المتلفعة في النهار أيضا لا يعرف عينها ، فلا يبقى في الكلام فائدة .

                                                                                                          قال السيوطي : ومع تتمة الكلام بهذه الجملة لا يتأتى هذا الاعتراض .

                                                                                                          وفي الفتح ما ذكره النووي من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها ، فيه نظر ؛ لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى .

                                                                                                          وقال الباجي : هذا يدل على أنهن كن سافرات ؛ إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس .

                                                                                                          قلت : وفيه ما فيه ؛ لأنه مبني على الاشتباه الذي أشار إليه النووي .

                                                                                                          وأما إن قلنا : إن لكل واحدة منهن هيئة غالبا فلا يلزم ما ذكر انتهى .

                                                                                                          ( من ) ابتدائية أو تعليلية ( الغلس ) بفتح المعجمة واللام بقايا ظلمة الليل يخالطها ظلام الفجر قاله الأزهري والخطابي ، وقال ابن الأثير : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح ، ولا تعارض بين هذا وبين حديث الصحيحين عن ابن برزة : " أنه صلى الله عليه وسلم كان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه " لأن هذا مع التأمل له أو في حال دون حال ، وذاك في نساء مغطيات الرءوس بعيدات عن الرجال ، قاله عياض وفيه ندب المبادرة بصلاة الصبح أول وقتها .

                                                                                                          وأما ما رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي ، عن رافع بن خديج : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " فقد حمله الشافعي وأحمد وإسحاق على تحقق طلوع الفجر لا تأخير الصلاة ، وآخرون على الليالي المقمرة فإن الصبح لا يتبين فيها فأمر بالاحتياط ، وحمله الطحاوي على أن المراد الأمر بتطويل القراءة فيها حتى يخرج من الصلاة مسفرا ، وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس ، ويرده حديث أبي مسعود [ ص: 82 ] الأنصاري : " أنه صلى الله عليه وسلم أسفر بالصبح مرة ثم كانت صلاته بعد الغلس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر " رواه أبو داود وغيره وقد تقدم .

                                                                                                          وروى ابن ماجه عن مغيث بن سمي قال : " صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلمت أقبلت على ابن عمر فقلت : ما هذه الصلاة ؟ قال : هذه كانت صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما طعن عمر أسفر بها عثمان " وأما حديث ابن مسعود عند البخاري وغيره : " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في غير وقتها غير ذلك اليوم " يعني الفجر يوم المزدلفة فمحمول على أنه دخل فيها مع طلوع الفجر من غير تأخير ، ففي حديث زيد بن ثابت وسهل بن سعد ما يشعر بتأخير يسير لا أنه صلاها قبل أن يطلع الفجر ، وفيه جواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل ، وأخذ منه جوازه نهارا بالأولى لأن الليل مظنة الريبة أكثر ، ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أو بهن فتنة ، واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم فكأنه جعل التلفع صفة لشهود الصلاة ، ورده عياض بأنها إنما أخبرت عن هيئة الانصراف ، وهذا الحديث أخرجه البخاري ، عن عبد الله بن مسلمة وعبد الله بن يوسف ومسلم من طريق معن بن عيسى ، ثلاثتهم عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية