الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال ساعتان يفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة هل يكون قبل أن يحل الوقت فقال لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس

                                                                                                          وسئل مالك عن تثنية الأذان والإقامة ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة فقال لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه فأما الإقامة فإنها لا تثنى وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد

                                                                                                          وسئل مالك عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا قال مالك ذلك مجزئ عنهم وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة

                                                                                                          وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه للصلاة ومن أول من سلم عليه فقال لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول

                                                                                                          قال يحيى وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد فأقام الصلاة وصلى وحده ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم قال لا يعيد الصلاة ومن جاء بعد انصرافه فليصل لنفسه وحده

                                                                                                          قال يحيى وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم تنفل فأرادوا أن يصلوا بإقامة غيره فقال لا بأس بذلك إقامته وإقامة غيره سواء

                                                                                                          قال يحيى قال مالك لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          155 152 - ( مالك عن أبي حازم ) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار ) الأعرج المدني العابد الثقة من رجال الجميع ، قال أبو عمر : كان أبو حازم هذا أحد الفضلاء الحكماء العلماء الثقات الأثبات وله حكم وزهديات ومواعظ ورقائق ومقطعات ، ومات سنة أربعين ومائة على الأصح وقيل غير ذلك .

                                                                                                          ( عن سهل بن سعد ) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي ( الساعدي ) أبي العباس الصحابي ابن الصحابي ، مات سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها وقد جاوز المائة .

                                                                                                          ( أنه قال : ساعتان ) قال ابن عبد البر : هذا الحديث موقوف عند جماعة رواة الموطأ ومثله لا يقال بالرأي ، وقد رواه أيوب بن سويد ومحمد بن مخلد وإسماعيل بن عمرو عن مالك مرفوعا ، وروي من طرق متعددة عن أبي حازم عن سهل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ساعتان ( يفتح لهما أبواب السماء ) أي فيهما أو من أجل فضيلتهما .

                                                                                                          ( وقل داع ترد عليه دعوته ) إخبار بأن الإجابة في هذين الوقتين هي الأكثر ، وأن رد الدعاء فيهما يندر ولا يكاد يقع ، قاله الباجي فأشار بقوله " قل " إلى أنها قد ترد لفوات شرط من شروط الدعاء أو ركن من أركانه أو نحو ذلك .

                                                                                                          وقال السيوطي : بل قل هنا للنفي المحض كما هو أحد استعمالاتها .

                                                                                                          قال ابن مالك في التسهيل وغيره : ترد " قل " للنفي المحض فترفع الفاعل متلوا بصفة مطابقة له نحو : قل رجل يقول ذلك ، وقل رجلان يقولان ذلك ، وهي من الأفعال التي منعت التصريف .

                                                                                                          ( حضرة النداء للصلاة ) أي الأذان ( والصف في سبيل الله ) [ ص: 277 ] أي في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله ، وقد روى الطبراني والحاكم في المستدرك والديلمي الحديث عن سهل به مرفوعا .

                                                                                                          وروى أبو نعيم في الحلية عن عائشة رفعته : " ثلاث ساعات للمرء المسلم ما دعا فيهن إلا استجيب له ما لم يسأل قطيعة رحم أو مأثما حين يؤذن المؤذن بالصلاة حتى يسكت ، وحين يلتقي الصفان حتى يحكم الله بينهما ، وحين ينزل المطر حتى يسكن " .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة هل يكون قبل أن يحل الوقت ، فقال : لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس ) ; لأن وقتها زوال الشمس كالظهر عند جمهور الفقهاء ، وأجاز أحمد صلاتها قبل الزوال وهو شذوذ قال مالك : لو خطب قبل الزوال وصلى بعده لم تجز ويعيدون الجمعة بخطبة ما لم تغرب الشمس ، نقله ابن حبيب عن مطرف عنه .

                                                                                                          وقال ابن سحنون يعيدون الظهر أبدا أفذاذا .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن تثنية النداء والإقامة ، ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة ؟ فقال : لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه ) وهو شفع الأذان لما في البخاري عن أنس قال : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، قال الزين بن المنير : وصف الأذان بأنه شفع يفسره قوله : مثنى أي مرتين مرتين ، وذلك يقتضي أن يستوي جميع ألفاظه في ذلك لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة ، فيحمل قوله مثنى على ما سواها انتهى .

                                                                                                          ففيه دليل على أن التكبير ليس مربعا ، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الأذان مثنى مثنى " أخرجه أبو داود الطيالسي عن ابن عمر ، ورواه أبو داود والنسائي ، وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عمر بلفظ مرتان مرتان .

                                                                                                          ( فأما الإقامة فإنها لا تثنى ) حتى قد قامت الصلاة ، بل تفرد ( وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ) المدينة مع تأييده بالحديث الصحيح .

                                                                                                          وأما قوله في رواية أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس : " ويوتر الإقامة إلا الإقامة " أي : قد قامت الصلاة فالمثبت غير المنفي فهو مدرج من قول أيوب وليس من الحديث كما جزم به الأصيلي وابن منده ; لأن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال : " أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، قال إسماعيل : فذكرته لأيوب فقال : إلا الإقامة " رواه البخاري ومسلم ونظر فيما قاله الحافظ بأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن أيوب بسنده بلفظ : كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة إلا قوله قد قامت الصلاة .

                                                                                                          والأصل أن ما كان في الخير فهو منه حتى [ ص: 278 ] يقوم دليل على خلافه ، ولا دليل في رواية إسماعيل لأن محصلها أن خالدا كان لا يذكرها الزيادة وأيوب يذكر وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس ، فكان في رواية أيوب زيادة حافظ فتقبل . انتهى .

                                                                                                          لكن إنما يتم له هذا النظر لو صرح أيوب بروايته له عن أبي قلابة لما ذكر إسماعيل رواية خالد وهو إنما قال إلا الإقامة ، فيتبادر منه أنه إخبار عن رأيه .

                                                                                                          وأما رواية عبد الرزاق فلا دليل فيها على عدم الإدراج لأنها من محل النزاع ، وقد دلت رواية إسماعيل على الإدراج ، ثم هذا الحديث حجة على من قال إن الإقامة مثناة ، وزعم بعض الحنفية أن إفرادها كان أولا ثم نسخ بحديث أبي محذورة عند أصحاب السنن وفيه تثنية الإقامة وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخا ، وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع فكان يلزمهم القول به ، وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأنه - صلى الله عليه وسلم - رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدارقطني والحاكم .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح ، فإن ربع التكبير الأول في الأذان أو ثناه أو رجع في التشهد أو لم يرجع أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا قد قامت الصلاة فالجميع جائز ، قيل : الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين فكرر ليكون أوصل إليهم بخلاف الإقامة فللحاضرين ، ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة ، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة ، قال الحافظ وهذا توجيه ظاهر .

                                                                                                          وأما قول الخطابي لو سوى بينهما لاشتبه الأمر في ذلك وصار يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة ففيه نظر ; لأن الأذان يستحب على مرتفع ليشترك فيه الإسماع وأن يكون مرتلا والإقامة مسرعة ، ويؤخذ حكمة الترجيع مما تقدم ، وإنما اختص بالتشهد لأنه أعظم ألفاظ الأذان والله أعلم .

                                                                                                          ( وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له ) وما في الصحيحين عن أبي قتادة قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت " فهو نهي عن القيام قبل خروجه وتسويغ له عند رؤيته ، وهو مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة ، ومن ثم اختلف السلف في ذلك فقال مالك : ( إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس ، فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد ) وذهب الأكثر إلى أنهم إذا [ ص: 279 ] كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة ، وإذ لم يكن في المسجد لم يقوموا حتى يروه .

                                                                                                          وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة رواه ابن المنذر وغيره ، ورواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله وعن سعيد بن المسيب : " أنه إذا قال المؤذن : الله أكبر وجب القيام ، وإذا قال : حي على الصلاة عدلت الصفوف ، وإذا قال : لا إله إلا الله كبر الإمام " ، وعن أبي حنيفة : " يقومون إذا قال حي على الفلاح ، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام " والحديث حجة على هؤلاء المفصلين .

                                                                                                          قال القرطبي : ظاهر هذا الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج - صلى الله عليه وسلم - من بيته ، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة عند مسلم : إن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج - صلى الله عليه وسلم - ، ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم .

                                                                                                          قال الحافظ : ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب : " كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تعتدل الصفوف وأما حديث أبي هريرة في البخاري بلفظ : " أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج - صلى الله عليه وسلم - " ولفظه في مستخرج أبي نعيم : " وصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا " ، ولفظه في مسلم : " أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه فأتى فقام مقامه " فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي في حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج - صلى الله عليه وسلم - فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ، ولا يرد هذا حديث أنس في الصحيح أنه قام في مقامه طويلا في مناجاة بعض القوم لاحتمال وقوعه نادرا أو فعله لبيان الجواز انتهى .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا قال ذلك مجزئ عنهم ) إذ الأذان ليس بشرط في صحة الصلاة عند جمهور الفقهاء خلافا لعطاء .

                                                                                                          ( وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة ) وجوب السنن المؤكدة على المذهب .

                                                                                                          وأما في المصر فواجب كفاية ، فلو اتفقوا على تركه أثموا وقوتلوا عليه ; لأنه شعار الإسلام ومن العلامات المفرقة بين دار الإسلام والكفر ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس : " كان - صلى الله عليه وسلم - يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار " .

                                                                                                          [ ص: 280 ] ( وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه للصلاة وعن أول من سلم عليه فقال : لم يبلغني أن التسليم كان في الزمن الأول ) قال الباجي : أي لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وإنما كان المؤذن يؤذن فإن كان الإمام في شغل جاء المؤذن فأعلمه باجتماع الناس دون تكلف ولا استعمال ، فأما ما يتكلف اليوم من وقوف المؤذن بباب الأمير والسلام عليه والدعاء للصلاة بعد ذلك فإنه من المباهاة والتكبر والصلاة تنزه عن ذلك .

                                                                                                          وقد قال القاضي أبو إسحاق في المبسوط عن عبد الملك بن الماجشون كيفية السلام : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله .

                                                                                                          قال إسماعيل : روي أن عمر أنكر على أبي محذورة دعاءه إياه إلى الصلاة ، وأول من فعله معاوية ، وقال ابن عبد البر أول من فعل ذلك معاوية أمر المؤذن أن يشعره ويناديه فيقول : السلام على أمير المؤمنين الصلاة يرحمك الله .

                                                                                                          وقيل : أول من فعله المغيرة بن شعبة والأول أصح انتهى .

                                                                                                          وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : لما قدم عمر مكة أتاه أبو محذورة وقد أذن فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الفلاح ، قال : ويحك أمجنون أنت ؟ أما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك حتى تأتينا .

                                                                                                          وفي الأوائل للعسكري من طريق الواقدي عن ابن أبي ذئب قال : قلت للزهري : من أول من سلم عليه فقيل : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله ، فقال : معاوية بالشام ومروان بن الحكم بالمدينة .

                                                                                                          وروى ابن سعد في طبقاته عن محمد بن سعد القرظ قال : كنا نؤذن على عمر بن عبد العزيز في داره للصلاة فنقول : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح ، وفي الناس الفقهاء فلا ينكرون ذلك .

                                                                                                          وبهذا كله تعلم ضعف ما في خطط المقريزي .

                                                                                                          قال الواقدي وغيره : كان بلال يقف على باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الأذان فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، فلما ولي أبو بكر كان سعد القرظ يقف فيقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله الصلاة يا خليفة رسول الله ، فلما ولي عمر ولقب أمير المؤمنين كان المؤذن يقف على بابه ويقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين الصلاة يا أمير المؤمنين ، ثم إن عمر أمر المؤذن فزاد فيها رحمك الله .

                                                                                                          ويقال إن عثمان هو الذي زادها .

                                                                                                          وما زال المؤذنون إذا أذنوا سلموا على الخلفاء وأمراء الأعمال ثم يقيمون الصلاة بعد السلام فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلي بالناس ، هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة بني العباس حتى ترك الخلفاء الصلاة [ ص: 281 ] بالناس فترك ذلك انتهى .

                                                                                                          والواقدي متروك ولعل غيره تبعه والله أعلم .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد فأقام الصلاة وصلى وحده ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم ؟ فقال : لا يعيد الصلاة ومن جاء بعد انصرافه ) فراغه من الصلاة ( فليصل لنفسه وحده ) قال ابن نافع : معناه أن المؤذن هنا هو الإمام الراتب ولم يرد المؤذن ، فإن لم يكن الإمام الراتب فلا بأس أن يجمعوا تلك الصلاة ويعيدها المؤذن معهم إن شاء ، قال ابن عبد البر : وهذا التفسير حسن على أصل قول مالك : المسجد الذي له إمام راتب لا يجمع فيه صلاة واحدة مرتين وبه قال سفيان الثوري وأجازه أشهب .

                                                                                                          وقال الباجي : إذا كان المؤذن إماما قال مالك ; لأن الاعتبار في الجماعة بالإمام دون المأموم لما في ذلك من مخالفة الأئمة ومفارقة الجماعة ، ولأن ذلك يؤدي أن لا تراعى أوقات الصلاة ويؤخر من في جماعة ، وإن لم يكن المؤذن إماما راتبا فقال ابن نافع : حكمه حكم الفذ .

                                                                                                          وقال عيسى : كالجماعة ويظهر لي أن قول عيسى في مسجد له مؤذن راتب وليس له إمام راتب لتعلق حكم الجماعة به دون المؤذن .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : ولا أصل لهذه المسألة إلا المنع من الاختلاف على الأئمة ، وردع أهل البدع ليتركوا إظهار بدعتهم لأنهم كانوا يرغبون عن صلاة الإمام ثم يأتون بعده فيجمعون بإمامهم .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور : لا بأس أن يجمع في المسجد مرتين ولم ينه الله عنه ولا رسوله ولا اتفق عليه العلماء .

                                                                                                          ودليل الجواز حديث " أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى إحدى صلاتي العشي فلما سلم دخل رجل لم يدرك الصلاة معه فاستقبل القبلة ليصلي فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ؟ فقام رجل ممن صلى مع النبي فصلى معه " انتهى .

                                                                                                          والجواب أن هذه واقعة حال محتملة فلا ينهض حجة في عدم الكراهة .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم تنفل فأرادوا أن يصلوا بإقامة غيره فقال : لا بأس بذلك إقامته وإقامة غيره سواء ) وبهذا قال أبو حنيفة .

                                                                                                          وقال الليث والثوري والشافعي وأكثر أهل الحديث : من أذن فهو يقيم لحديث عبد الله بن الحارث الصدائي قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان الصبح أمرني فأذنت ثم قام إلى الصلاة فجاء بلال ليقيم فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم " ، قال ابن عبد البر : انفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وليس بحجة عندهم ، [ ص: 282 ] وحجة مالك حديث عبد الله بن زيد حين أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان فأمره أن يلقيه على بلال وقال : " إنه أندى منك صوتا " ، فلما أذن بلال قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن زيد : " أقم أنت " ، فأقام .

                                                                                                          وهذا الحديث أحسن إسنادا .

                                                                                                          ( قال مالك لم تزل صلاة الصبح ينادى لها قبل الفجر ) في أول السدس الأخير من الليل قاله ابن وهب وسحنون ، وقال ابن حبيب نصف الليل ، وحجة العمل المذكور حديث ابن عمر الآتي : إن بلالا ينادي بليل ، وبه قال الجمهور والأئمة الثلاثة .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة وطائفة : لا يؤذن لها حتى يطلع الفجر .

                                                                                                          ( فأما غيرها من الصلوات لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها ) لحرمته قبل الوقت في غير الصبح .

                                                                                                          قال الكرخي من الحنفية : كان أبو يوسف يقول بقول أبي حنيفة لا يؤذن لها حتى أتى المدينة فرجع إلى قول مالك وعلم أنه عملهم المتصل ، قال الباجي : يظهر لي أنه ليس في الأثر ما يقتضي أن الأذان قبل الفجر لصلاة الفجر ، فإن كان الخلاف في الأذان ذلك الوقت فالآثار حجة لمن أثبته ، وإن كان الخلاف في المقصود به فيحتاج إلى ما يبين ذلك من إبطال الأذان إلى الفجر أو غير ذلك مما يدل عليه .




                                                                                                          الخدمات العلمية