الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
854 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ، فقرأ فثقلت عليه القراءة ، فلما فرغ ، قال : " لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ قلنا : نعم ، يا رسول الله قال : لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " ، رواه أبو داود ، والترمذي ، وللنسائي معناه .

وفي رواية لأبي داود ، قال : " وأنا أقول : ما لي ينازعني القرآن فلا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم الكتاب " .

التالي السابق


854 - ( وعن عبادة بن الصامت قال : كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقرأ ، فثقلت ) ، أي : عسرت ( عليه القراءة ، فلما فرغ قال : " لعلكم تقرءون خلف إمامكم " ، قلنا : نعم يا رسول الله ) : قال الطيبي : سؤال فيه معنى الاستفهام يقرر فعلهم ؛ ولذلك أجابوا بنعم ، كأنه عليه السلام عسرت عليه القراءة ولم يدر السبب فيسأل منهم يدل عليه قوله : ما لي ينازعني القرآن ، وإنما قال خلف إمامكم ، وحق الظاهر خلفي ليؤذن بأن تلك الفعلة غير مناسبة لمن يقتدي بالإمام ، وقال ابن حجر : محتمل أن سبب الثقل النقص الناشئ عن عدم اكتفائهم بقراءته ، والكامل ربما يتأثر بنقص من وراءه ، ألا ترى أنه عليه السلام افتتح مرة في صلاة الصبح بسورة الروم فغلط فيها ، ثم بين أن ذلك من قوم وراءه لا يحسنون الطهور ، وقال المظهر : عسرت القراءة على النبي لكثرة أصوات المأمومين بالقراءة ، والسنة أن يقرأ المأموم سرا بحيث يسمع كل واحد نفسه ، واختلفوا في قراءة المأموم ، فأصح قولي الشافعي أنه يقرأ في السرية والجهرية ، وهو مذهب أحمد ، وأحد قولي الشافعي أنه يقرأ في السرية ؛ لأن استماعه في الجهرية قراءة الإمام يكفيه ، ومذهب أبي حنيفة : لا يقرأ في السرية ولا الجهرية ، كذا نقله الطيبي ، والإمام محمد من أئمتنا يوافق الشافعي في القراءة في السرية وهو أظهر في الجمع بين الروايات الحديثة ، وهو مذهب الإمام مالك أيضا ، ( قال : " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ) : النهي للكراهة فيكره القراءة وقت قراءة الإمام للوسوسة ، قال الخطابي : يحتمل أن يكون النهي من الجهر ، ويحتمل أن يكون من الزيادة على الفاتحة ، كذا في الأزهار ، قال ميرك : أقول الاحتمال الثاني أظهر ، بل الصواب إذ لو كان المراد الجهر لم يستقم استثناء فاتحة الكتاب .

قلت : يؤيده الرواية الثانية الآتية وينصره سؤاله عليه السلام أيضا ؛ لأنه لو كانت قراءتهم جهرا لما قال : " لعلكم تقرءون " ، لكن لا يفيد الأمر بالسر في القراءة للمأموم ، مع أنه المقصود في المقام لئلا يتشوش الإمام .

قال ابن حجر : أخذ منه أئمتنا أنه لا سورة للمأموم في الجهرية ، بل يستمع لقراءة إمامه ؛ لأن القصد بها إسماع المأمومين ليتدبروا ويتعظوا ، ومن ثم لو لم يسمع المأموم قراءة إمامه أوسمع صوتا لا يفهمه سنت السورة بعد الفاتحة له ؛ لأنها في حقه حينئذ ، بمنزلة السرية ، ( فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) : قال ابن الملك : ذهب الشافعي إلى أن المأموم يقرأ الفاتحة خلف الإمام ، قلنا : هذا محمول على الابتداء ، قلت : تمامه يحتاج إلى معرفة تاريخ بعد منع من قراءة الفاتحة بخصوصها ، والله أعلم ، ( رواه أبو داود ، والترمذي ) ، أي : هذا اللفظ ( والنسائي معناه ) : قال ميرك : نقلا عن ابن الملقن : حديث عبادة بن الصامت ، رواه أبو داود ، والترمذي ، والدارقطني ، وابن حبان ، والبيهقي ، والحاكم ، وقال الترمذي : حسن ، وقال الدارقطني : إسناده حسن فرجاله ثقات ، وقال الخطابي : إسناده جيد لا يطعن فيه ، وقال الحاكم : إسناده مستقيم ، وقال البيهقي : صحيح اهـ ، فقول ابن حجر : صححه الترمذي ، والدارقطني ، والحاكم ، والبيهقي ، والخطابي وغيرهم ، غير صحيح في اصطلاح المحدثين .

[ ص: 701 ] ( وفي رواية لأبي داود قال صلى الله عليه وسلم ) : موضع لا تفعلوا ( وأنا أقول ) : أي في نفسي ( ما لي ينازعني ) ، أي : يعالجني ولا يتيسر ( القرآن ) : بالرفع ، أي : لا يتأتى لي ، فكأني أجاذبه فيعصى ويثقل علي قاله الطيبي ، وبالنصب ، أي : ينازعني من ورائي فيه بقراءتهم على التغالب يعني : تشوش قراءتهم على قراءتي ، ويؤيده ما في نسخة ينازعني بضم العين وتشديد النون على حذف الواو ونصب القرآن ، لكن في صحتها نظر إذ لا يجوز التأكيد إلا في الاستقبال بشرط الطلب ، ( فلا تقرءوا بشيء من القرآن ) ، أي : سرا ، ومفهومه أنه إذا لم يجهر لهم أن يأتوا بغير الفاتحة أيضا سرا ، والسر أن في الجهرية استماع غير الفاتحة يقوم مقام القراءة بخلاف السرية ، فإنه يكون حينئذ سكوتا مجردا ، وهذا معنى قوله عليه السلام : " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له " ، والله أعلم .




الخدمات العلمية