الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        64 - الحديث الثاني : عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم - وهو في قبة له حمراء من أدم - قال : فخرج بلال بوضوء ، فمن ناضح ونائل ، قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء ، كأني أنظر إلى بياض ساقيه ، قال : فتوضأ وأذن بلال ، قال : [ ص: 207 ] فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا ، يقول يمينا وشمالا : حي على الصلاة ; حي على الفلاح ثم ركزت له عنزة ، فتقدم وصلى الظهر ركعتين ، ثم نزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة }

                                        التالي السابق


                                        قوله " عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله " هو المشهور . وقيل : وهب بن جابر وقيل : وهب بن وهب ، والسوائي في نسبه - مضموم السين ممدود - نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة . مات في إمارة بشر بن مروان بالكوفة وقيل : سنة أربع وسبعين . والكلام عليه من وجوه :

                                        أحدها : قوله " فخرج بلال بوضوء " بفتح الواو بمعنى الماء ، وهل هو اسم لمطلق الماء ، أو بقيد الإضافة إلى الوضوء ؟ فيه نظر ، قد مر .

                                        وقوله " فمن ناضح ونائل " النضح : الرش . قيل : معناه أن بعضهم كان ينال منه ما لا يفضل منه شيء . وبعضهم كان ينال منه ما ينضحه على غيره . وتشهد له الرواية الأخرى في الحديث الصحيح " فرأيت بلالا أخرج وضوءا . فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء . فمن أصاب منه شيئا تمسح به . ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه " .

                                        الثاني : يؤخذ من الحديث التماس البركة بما لابسه الصالحون بملابسته . فإنه ورد في الوضوء الذي توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم . ويعد بالمعنى إلى سائر ما يلابسه الصالحون .

                                        الثالث : قوله " فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا ، يريد يمينا وشمالا " فيه دليل على استدارة المؤذن للاستماع عند الدعاء إلى الصلاة . وهو وقت التلفظ بالحيعلتين . وقوله " يقول حي على الصلاة حي على الفلاح " يبين وقت [ ص: 208 ] الاستدارة . وأنه وقت الحيعلتين .

                                        واختلفوا في موضعين :

                                        أحدهما : أنه هل تكون قدماه قارتين مستقبلتي القبلة ، ولا يلتفت إلا بوجهه دون بدنه ، أو يستدير كله ؟ الثاني : هل يستدير مرتين . إحداهما : قوله " حي على الصلاة حي على الصلاة " والأخرى عند قوله " حي على الفلاح حي على الفلاح " أو يلتفت يمينا ويقول " حي على الصلاة " مرة ، ثم يلتفت شمالا فيقول " حي على الصلاة " أخرى . ثم يتلفت يمينا ويقول " حي على الفلاح " مرة ، ثم يلتفت شمالا فيقول " حي على الفلاح " أخرى ؟ وهذان الوجهان منقولان عن أصحاب الشافعي . وقد رجح هذا الثاني بأنه يكون لكل جهة نصيب من كلمة وقيل : إنه اختيار القفال . والأقرب عندي إلى لفظ الحديث : هو الأول .

                                        الرابع : قوله " ثم ركزت له عنزة " أي أثبتت في الأرض . يقال : ركزت الشيء أركزه - بضم الكاف في المستقبل - ركزا : إذا أثبته و " العنزة " قيل : هي عصا في طرفها زج . وقيل : الحربة الصغيرة .



                                        الخامس : فيه دليل على استحباب وضع السترة للمصلي ، حيث يخشى المرور كالصحراء . ودليل على الاكتفاء في السترة بمثل غلظ العنزة . ودليل على أن المرور من وراء السترة غير ضار .



                                        السادس : قوله " ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة " هو إخبار عن قصره صلى الله عليه وسلم الصلاة ، ومواظبته على ذلك . وهو دليل على رجحان القصر على الإتمام . وليس دليلا على وجوبه إلا على مذهب من يرى أن أفعاله صلى الله عليه وسلم تدل على الوجوب . وليس بمختار في علم الأصول .

                                        السابع : لم يبين في هذه الرواية موضع اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقد بين ذلك في رواية أخرى قالها فيها " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة . وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم " وهذه الرواية المبينة مفيدة لفائدة زائدة . فإنه في الرواية الأولى المبهمة يجوز أن يكون اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة قبل وصوله إليها . وعلى هذا يشكل قوله " فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة " على مذهب الفقهاء ، من حيث إن السفر تكون له نهاية يوصل إليها قبل الرجوع . وذلك مانع [ ص: 209 ] من القصر عند بعضهم . أما إذا تبين أنه كان الاجتماع بالأبطح . فيجوز أن تكون صلاة الظهر التي أدركها ابتداء الرجوع . ويكون قوله " حتى رجع إلى المدينة " انتهاء الرجوع .




                                        الخدمات العلمية