الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الرابع : فيما يؤذن له

                                                                                                                وهو الصلوات المفروضة على الأعيان المؤداة في مساجد الجماعات والأئمة حيث كانوا ، فالمفروضة : احتراز من النوافل ; لعدم التوقيت فيها ، وأما صلاة العيدين فتوفر الدواعي عليها مغن عن الإعلام ، ولا ينادى لها : الصلاة جامعة ، وعلى الأعيان : احتراز من صلاة الجنازة ; لعدم تعين وقتها حتى يعلم به بل سنتها وجود الميت لا الوقت والأذان ، إنما هو إعلام بالأوقات . وقولنا المؤادة احتراز من الفوائت ففي الكتاب : من نسي صلوات كثيرة تجزيه الإقامة لكل صلاة بلا أذان ، وعند أبي حنيفة يؤذن لها ، وتردد الشافعي . وقد اختلفت الرواية في صلاته - عليه السلام - يوم الوادي لما ناموا عن صلاة الصبح حتى [ ص: 69 ] طلعت الشمس هل أذن لها أم لا ؟ ففي الموطأ : أمر بالإقامة فصلى بهم ، ولم يذكر أذانا ، وفي أبي داود : ذكر الأذان وهو منسوخ بقوله - عليه السلام - بعد صلاته بهم : من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها ; فإن الله تعالى يقول : " أقم الصلاة لذكري " . وهو يقتضي عدم الاشتغال بغيرها ، والأذان شغل عنها . وقولنا في جماعات المساجد : احتراز من الواحد إذا صلى وحده في المسجد فإنه يكتفي بالإقامة . وروي عن الشافعي أنه يؤذن سرا . وقولنا والأئمة حيث كانوا ففي الكتاب : إذا خرج إمام المصر في الجنازة فتحضره الصلاة يؤذن لها ويقام . قال صاحب الطراز : قيل هو إمام الجامع المجمعة ; لأنه الذي جعل له صلاة الجنازة فيتوقى أمره ليجتمع له الناس ، وكذلك كل إمام مشهور يؤذن له ليجتمعوا .

                                                                                                                فروع أربعة :

                                                                                                                الأول : قال في الكتاب : لا ينادى لصلاة قبل وقتها إلا الصبح ، ووافقه الشافعي وخالفنا أبو حنيفة وسوى بين سائر الصلوات لما في البخاري أنه - عليه السلام - قال : إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ; [ ص: 70 ] فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال ابن القاسم : ولم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا ، وينزل ذا ، وفي بعض طرقه وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت . وإجماع أهل المدينة على ذلك ينقله الخلف عن السلف نقلا متواترا ، ولما أطلع أبو يوسف على ذلك رجع عن مذهب أبي حنيفة وهي تأتي في وقت نوم وحاجة إلى الاغتسال ; لكثرة الاجتماع بالنساء ليلا ، وفي الناس البطيء والسريع ، والفضيلة في التغليس فيتعين الأذان قبل الفجر احتج أبو حنيفة بما في أبي داود أنه - عليه السلام - قال لبلال : لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر ومد يديه عرضا ، ولأن الأذان قبل الوقت كذب فيحرم .

                                                                                                                وجواب الأول : أن الحديث طعن فيه أبو داود وغيره ، ولو سلمنا صحته فيحمل الأذان على الإقامة لما بينهما من المشابهة ، ولأنها إعلام في نفسها والإعلام هو الأذان جمعا بينه وبين الأحاديث الصحيحة ، وعن الثاني أنه إعلام بوقت التأهب للصلاة ، لا بوقت فعلها فليس كذبا .

                                                                                                                فرع :

                                                                                                                إذا قلنا بتقديم أذانها على وقتها قال صاحب الطراز : الأحسن أن يكون آخر الليل غير محدود ، وإليه أشار مالك في الموطأ محتجا بقوله عليه السلام : لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال . والسحور آخر الليل ، وقال ابن [ ص: 71 ] وهب سدس الليل الأخير ، وقال ابن حبيب : من حين خروج وقت العشاء نصف الليل ، ونقل المازري يؤذن لهما بعد العشاء وإن صليت أول الليل لقوله عليه السلام : إن بلالا يؤذن بليل من غير تحديد ، ولأنها عبادة متعلقة بالفجر فجاز تقديم ما يتعلق بها كالنية مع الصوم .

                                                                                                                وجوابه أن الأذان حينئذ إعلام بالتأهب للنوم ، لا للصلاة ، فهو على خلاف حكمة الأذان فلا يشرع .

                                                                                                                الثاني : أنكر في الكتاب تقديم أذان الجمعة على الزوال خلافا لابن حبيب ; فإنه جوز أذانها قبل الزوال ، وهو فاسد ; لأنها إن كانت ظهرا فحكمها حكم الظهر ، وإن كانت بدلا والبدل يتبع المبدل .

                                                                                                                الثالث : في الجواهر إذا جمع الإمام بين الصلاتين يؤذن لكل واحدة منهما ، وهو في الكتاب والأولى فقط عند ابن الماجشون ، ولا يؤذن مطلقا حكاه صاحب الجلاب ويقيم لكل صلاة ، قال المازري : وهذه المقالات محكية في جمعه عليه السلام ، وفي المدونة وأما غير الإمام فتجزئهم إقامتان للمغرب والعشاء ، وعن أبي حنيفة تكفي إقامة الأولى .

                                                                                                                حجة المذهب : أن الأذان للصلاة في حق الأئمة من شعائرها ، فلا يترك مع إمكانه ، ولا يمنع منه توفر الجمع للثانية كما لا يمنعه للأولى ، وقياسا على الإقامة .

                                                                                                                [ ص: 72 ] حجة الثاني : ما في مسلم عن جابر لما وصف حجة النبي - عليه السلام - على الاستقصاء فقال في الجمع بعرفة ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ، وقال فيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا .

                                                                                                                حجة الثالث : ما في مسلم أنه عليه السلام جمع بمزدلفة فلم يذكر أذانا ، وذكر الإقامة لكل صلاة ، ولأن الأذان إعلام للغائب والجمع إنما هو لمن حضر .

                                                                                                                حجة الرابع : ما في الموطأ أنه عليه السلام صلى المغرب ثلاث ركعات بالمزدلفة ، وصلى العشاء ركعتين بإقامة واحدة وهو يحتمل بإقامة واحدة لكل صلاة ، ولأن الجمع يوجب تعلق إحدى الصلاتين بالأخرى فكأن الإقامة الأولى وقعت لهما جميعا .

                                                                                                                الرابع : قال ابن القاسم في العتبية في قوم بنوا مسجدا فتنازعوا فيه فاقتسموه بجدار ليس لهم قسمته . قال أشهب : فإن فعلوا لم يجزهم مؤذن واحد ، وكذلك مسجدان متلاصقان أو مسجد فوق مسجد ; لأن الأذان من شعائر المساجد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية