الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ، ولا سفر . قال مالك : أرى ذلك في مطر . ( قال الشافعي ) : والسنة في المطر كالسنة في السفر ( قال المزني ) : والقياس عندي إن سلم ، ولم ينو الجمع ، فجمع في قرب ما سلم بقدر ما لو أراد الجمع كان ذلك فصلا قريبا بينهما أن له الجمع لأنه لا يكون جمع الصلاتين إلا وبينهما انفصال ، فكذلك كل جمع ، وكذلك كل من سها فسلم من اثنتين فلم يطل فصل ما بينهما أنه يتم كما أتم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد فصل ، ولم يكن ذلك قطعا لاتصال الصلاة في الحكم ، فكذلك عندي إيصال جمع الصلاتين أن لا يكون التفريق بينهما إلا بمقدار ما لا يطول " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            الجمع بين الصلاتين في الحضر في حال المطر جائز ، وهو قول مالك .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : الجمع في الحضر غير جائز تعلقا بما استدل به على بطلان الجمع في السفر .

                                                                                                                                            والدلالة على جوازه في الحضر : رواية الشافعي ، عن مالك ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء جميعا من غير خوف ، ولا سفرقال مالك : أرى ذلك في المطر .

                                                                                                                                            وروى موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر ، والعصر في الحضر في المطر .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد روي أنه جمع بالمدينة من غير خوف ، ولا سفر ، ولا مطر .

                                                                                                                                            قيل : يجوز أن يكون صلى الأولى في آخر أوقاتها ، وصلى الثانية في أول أوقاتها .

                                                                                                                                            فاتصل فعلهما في وقتيهما جميعا ، فقيل : جمع .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهذا التأويل يرجع عليكم فيما رويتم من جمعه في المطر ، قيل : لا يصح هذا التأويل لما استدللنا به من الجمع في المطر لما روي من نقل السبب في جواز جمعه ، وهو المطر ، والمطر لا يختص بجواز فعل الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها ، بل يجوز ذلك في المطر ، وغيره على أن هذا التأويل ساغ لنا في روايتهم : لأن الإجماع يمنع من جواز الجمع في الحضر في غير المطر فتأولنا بهذا استعمالا للرواية ، وليسر الإجماع مانعا من [ ص: 398 ] جواز الجمع في المطر ، فلم يسغ استعمال هذا التأويل في روايتنا على أنه لا يجوز أن يكون معنى قول الراوي : ولا مطر . أبى لا يصيبه المطر لكونه مستظلا تحت سقف .

                                                                                                                                            فإذا وضح ما ذكرناه من جواز الجمع في المطر : فيجوز الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . وقال مالك : يجوز الجمع في المطر بين صلاة المغرب والعشاء ، ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر لإدراك المشقة في مطر الليل ، وعدمها في مطر النهار ، وهذا غلط ، يوضحه رواية ابن عباس ، وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر ، وفي المطر ، ولأنهما صلاتان يجوز الجمع بينهما في السفر ، فجاز الجمع بينهما في الحضر كالمغرب والعشاء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية