الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول ، إلا في الحيعلتين ، فإنه يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ويقول بعد فراغه : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، إنك لا تخلف الميعاد ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إلا في الحيعلتين فإنه يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ) كذا في " المحرر " و " الوجيز " نص عليه ، ولا نعلم خلافا في استحبابه لما روى عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قال : المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله فقال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله ، مخلصا من قلبه ، دخل الجنة رواه مسلم . قال الأثرم : هذا من الأحاديث الجياد ، ولأنه خطاب فإعادته عبث ، بل سبيله الطاعة ، وسؤال الحول والقوة ، وتكون الإجابة عقيب كل كلمة أي : لا تقارن ، ولا تتأخر ، وقيل : يوافقه في الحيعلة مع قول ذلك ، ليجمع بينهما ، وقال الخرقي ، وغيره : يقول كما يقول لما روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول متفق عليه . قال الزركشي : وهو المذهب ، وفيه نظر ، ولا فرق بين المؤذن [ ص: 330 ] والسامع ، نص عليهما ، ولا الجنب والحائض للخبر ، وظاهره ولو في طواف وقراءة ، لأن ذلك يفوت بخلافهما ، ويستثنى منه المصلي ، ولو نفلا ، وتبطل بالحيعلة ، قال أبو المعالي : إن لم يعلم أنها دعاء إلى الصلاة ، فروايتا ساه ، ولكن يجيبه إذا فرغ ، قاله في " الكافي " وكذا المتخلي ، قاله أبو المعالي ، ومقتضى كلامه أن المؤذن لا يجيب نفسه ، وهو ظاهر كلام جماعة ، وصرح آخرون باستحبابه كالسامع ، وأن يقولا ذلك خفية ، نص عليه ، قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال : تجب إجابته للأمر ، وظاهر كلامهم : أنه يجيب ثانيا ، وثالثا حيث سن ، واختاره الشيخ تقي الدين ، لكن لو سمع المؤذن وأجابه ، وصلى في جماعة لا يجيب الثاني ، لأنه غير مدعو بهذا الأذان ، زاد المؤلف ( العلي العظيم ) وتتبعت ذلك فوجدته في المسند من حديث أبي رافع : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول ، حتى إذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ورواه الطبراني في معجمه الكبير ، وإسناده فيه لين ، ويقول في التثويب : صدقت وبررت ، وفي الإقامة عند لفظها : أقامها الله وأدامها ، زاد في " المستوعب " و " التلخيص " ما دامت السماوات والأرض ، ويقول ذلك خفية .



                                                                                                                          فائدة : معنى لا حول ولا قوة إلا بالله : إظهار الفقر ، وطلب المعونة منه في كل الأمور ، وهو حقيقة العبودية ، وقال أبو الهيثم : أصل لا حول ولا قوة [ ص: 331 ] من حال الشيء ، إذا تحرك ، يقول : لا حركة ولا استطاعة إلا بالله ، وقال ابن مسعود : معناه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته ، قال الخطابي : هذا أحسن ما جاء فيه ، ويقال : لا حيل لغة ، حكاه الجوهري ، وعبر عنها الأزهري بالحوقلة ، وتبعه في " الوجيز " على أخذ الحاء من حول ، والقاف من قوة ، واللام من اسم الله تعالى .



                                                                                                                          ( ويقول بعد فراغه ) كل من المؤذن وسامعه ( اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، والدرجة الرفيعة ، وابعثه المقام المحمود الذي ، وعدته ، إنك لا تخلف الميعاد ) لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة رواه البخاري ، ورواه النسائي ، وأبو حاتم ، والبيهقي ، وابعثه المقام المحمود معرفين كما ذكره المؤلف ، ولم يثبت فيه الدرجة الرفيعة ، وروى البيهقي في سننه في آخره إنك لا تخلف الميعاد ، وظاهره أنه لا يستحب غير ذلك ، وفي " الرعاية " أنه يرفع بصره إلى السماء ، ويدعو بما ورد ، فقال أحمد : إذا سألتم الله حاجة ، فقولوا : في عافية ، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - لما روى عبد الله بن عمرو مرفوعا إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو فمن [ ص: 332 ] سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة رواه مسلم ، ولم يذكر السلام معه ، فظاهره أنه لا يكره بدونه ، وقد ذكر النووي أنه يكره للنص .

                                                                                                                          تذنيب : ( اللهم ) أصله يا الله ، والميم بدل من يا ، قاله الخليل وسيبويه ، وقال الفراء : أصله يا الله أمنا بخير ، فحذف حرف النداء ، ولا يجوز الجمع بينهما ، إلا في الضرورة ، والدعوة بفتح الدال هي دعوة الأذان ، سميت تامة لكمالها ، وعظم موقعها ، وسلامتها من نقص يتطرق إليها ، وقال الخطابي : وصفها بالتمام ، لأنها ذكر الله يدعى بها إلى طاعته ، وهذه الأمور التي تستحق صفة الكمال والتمام ، وما سواها من أمور الدنيا فإنه معرض للنقص والفساد ، وكان الإمام أحمد يستدل بهذا على أن القرآن غير مخلوق ، قال : لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص ، والصلاة القائمة التي ستقوم بصلاتها ، ويفعل بصلاتها ، والوسيلة منزلة عند الملك ، وهي منزلة في الجنة ، والمقام المحمود الشفاعة العظمى في موقف القيامة ، لأنه يحمده فيها الأولون والآخرون ، والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى إظهار كرامته وعظيم منزلته ، وقد وقع منكرا في الصحيح تأدبا مع القرآن فيكون قوله الذي وعدته منصوبا على البدلية ، أو على إضمار فعل ، أو مرفوعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف .



                                                                                                                          مسائل : الأولى : إذا دخل المسجد لم يركع حتى يفرغ ، نص عليه ، ليجمع بين الفضيلتين ، وعنه : لا بأس ، قال في " الفروع " : ولعل المراد غير أذان الجمعة ، [ ص: 333 ] لأن سماع الخطبة أهم ، واختاره صاحب النظم ، ولا يقوم القاعد حتى يفرغ ، أو يقرب فراغه ، نص على معنى ذلك ، لأن الشيطان ينفر حين يسمع النداء .

                                                                                                                          الثانية : يعمل بالأذان في دارنا ، وكذا دار حرب إن علم إسلامه .

                                                                                                                          الثالثة : لا يؤذن غير الراتب إلا بإذنه ، إلا أن يخاف فوات الوقت فيؤذن غيره .

                                                                                                                          الرابعة : يستحب الدعاء بين الأذان والإقامة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة رواه أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وعند الإقامة ، فعله أحمد ، ورفع يديه ، وعن ابن عمر مرفوعا تفتح أبواب السماء لقراءة القرآن ، وللقاء الزحف ، ولنزول القطر ، ولدعوة المظلوم ، وللأذان رواه الحاكم بإسناد ضعيف .




                                                                                                                          الخدمات العلمية