الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ، ويخرجهما عن يمينه ويجعل أليتيه على الأرض ، والمرأة كالرجل في ذلك كله ، إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود ، وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها ، وهل يسن لها رفع اليدين ؛ على روايتين ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا ) لحديث أبي حميد ، فإنه وصف جلوسه في التشهد الأول مفترشا ، والثاني متوركا ، وهذا بيان الفرق بينهما ، وزيادة يجب الأخذ بها ، والمصير إليها ، وحينئذ لا يسن التورك إلا في صلاة فيها تشهدان أصليان في الأخير منهما ، وعنه : لا تورك في المغرب ، والأول : المذهب ، وصفته كما رواه الأثرم عن الإمام ( يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويخرجهما عن يمينه ، ويجعل أليتيه على الأرض ) واختاره أبو الخطاب ، وجزم به في " المحرر " و " الفروع " لقول أبي حميد ، فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض ، وأخرج قدمه من ناحية واحدة ، رواه أبو داود ، وفي لفظ : جلس على [ ص: 473 ] أليتيه ، ونصب قدمه اليمنى ، وذكر الخرقي ، والقاضي ، والسامري أنه يجعل باطن قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى ، وقدمه ابن تميم ، وصححه المجد في " شرح الهداية " لأنه عليه السلام كان يفعله . رواه مسلم من حديث ابن الزبير ، وعنه : يخرج قدمه الأيسر من تحت ساقه الأيمن لحديث أبي حميد أيضا ، وأيها فعل جاز .



                                                                                                                          فرع : سئل أحمد : هل يتورك في تشهد سجود السهو ؛ قال : نعم ، هو من بقية الصلاة ، وحمله في " الشرح " على ما إذا كان السهو في صلاة فيها تشهدان ، وعلله بأن تشهدها يتورك فيه ، وهذا تابع له ، وفيه نظر ، فإن مقتضى هذا أنه يتورك في كل تشهد كسجود السهو بعد السلام في الرباعية ، وغيرها ، وقاله القاضي ، لأنه تشهد ثان في الصلاة ، فيحتاج إلى الفرق ( والمرأة كالرجل في ذلك كله ) لشمول الخطاب لهما لقوله : صلوا كما رأيتموني أصلي ( إلا أنها تجمع نفسها في الركوع ، والسجود ) أي : لا يسن لها التجافي ، لما روى زيد بن أبي حبيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على امرأتين تصليان فقال : إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض ، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل رواه أبو داود في " مراسيله " ولأنها عورة فكان الأليق بها الانضمام ، وذكر في " المستوعب " وغيره أنها تجمع نفسها في جميع أحوال الصلاة لقول علي رضي الله عنه ( وتجلس متربعة ) لأن ابن عمر كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة ( أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها ) وكذا في " الخرقي " ، و " المحرر " و " المذهب " ونص عليه ، لأنه غالب فعل عائشة ، وأشبه بجلسة الرجل ، وأبلغ في الانكماش ، والضم ، وأسهل عليها ، وظاهره أنها مخيرة بين الجلوس متربعة لاستوائهما ، ولكن السدل أفضل ، نص عليه ، واختاره [ ص: 474 ] في " شرح الهداية " ولا تجهر بقراءة إن سمعها أجنبي ، وإلا جهرت كذكر ( وهل يسن لها رفع اليدين ؛ على روايتين ) إحداهما : يسن ، قدمه ابن تميم والجد ، وهو عموم كلام الأصحاب ، لأن أم سلمة كانت ترفع يديها ، ورواه سعيد عن أم الدرداء ، ورواه الخلال عن حفصة بنت سيرين ، وقياسا على الرجل ، والثانية : لا يسن ، جزم بها في " الوجيز " قال في " الشرح " : لأنه في معنى التجافي ، فعلى هذا هل يكره أو يجوز ؛ على روايتين ، والثالثة : ترفع دونه ، قاله أبو بكر ، وهو أوسط الأقوال ، قاله المجد .

                                                                                                                          فائدة : لم يتعرض المؤلف لذكر الخنثى المشكل ، وحكمه كامرأة ، قاله ابن تميم ، وابن حمدان ، وغيرهما .



                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          يستحب الذكر ، والاستغفار ثلاثا كما ورد في الأخبار ، ذكره في " الشرح " وغيره ، قال في " المستوعب " و " الرعاية " : ويقرأ آية الكرسي ، وكذا المعوذتين زاد بعضهم : وقل هو الله أحد ، ولم يذكره الأكثر ، ويسبح ثلاثا وثلاثين ، ويحمد كذلك ، ويكبر أربعا وثلاثين للخبر ذكره في " المستوعب " والمذهب ، وغيرهما ، قالوا : ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، وفي " المستوعب " وغيره : وهو حي لا يموت بيده الخير ، كذا قالوا ، واتباع السنة أولى ، ويفرغ من عدد ذلك معا [ ص: 475 ] قاله أحمد في رواية أبي داود للنص ، وعنه : يخير بينه ، وبين إفراد كل جملة ، واختار القاضي الإفراد ، ويستحب الجهر بذلك ، وحكى ابن بطال عن أهل المذاهب المتبوعة خلافه ، وكلام أصحابنا مختلف ، قاله في " الفروع " قال : ويتوجه يجهر لقصد التعليم فقط ، ثم يتركه ، والمقصود من العدد أن لا ينقص منه ، وأما الزيادة فلا تضر شيئا لا سيما من غير قصد ، لأن الذكر مشروع في الجملة ، فهو يشبه المقدر في الزكاة إذا زاد عليه ، ويشرع للإمام أن يدعو بعد الفجر والعصر لحضور الملائكة فيهما فيؤمنون على الدعاء ، والأصح : وغيرها ، جزم به جماعة ، ويستقبل المأموم ، ذكره السامري ، ولا يخص نفسه بدعوة ، وإن فعل فلا بأس ، نص عليه ، وقيل : يكره ، وهو قول إسحاق ، ويشير إلى السماء في دعائه بأصبعه ، ويسمعه المأموم ، وقيل : إن قصد تعليمه ، وإلا خفض صوته كالمأموم ، والمنفرد ، وعنه : يكره الجهر مطلقا ، ولا يجب الإنصات خلافا لابن عقيل ، قال ابن تميم : ويستحب للمأموم أن لا ينصرف قبل إمامه إلا أن يطيل الجلوس ، فإن كان رجال أو نساء استحب أن يقمن عقيب سلامه ، ويثبت الرجال قليلا ، وينصرف كيف شاء عن يمينه ، وشماله ، وهو في الصحيح ، وصححه الترمذي ، وقال : العمل عليه عند أهل العلم ، وفي " الرعاية " ينصرف عن يمينه ، وقيل : أو عن يساره إن سهل ، قال القاضي : يمينه أولى إلا أن تكون جهة انصرافه غيرها .

                                                                                                                          ومن أدب الدعاء بسط يديه ، ورفعهما إلى صدره ، وكشفهما أولى ، وذكر جماعة أن الدعاء للرهبة بظهر الكف لدعائه عليه السلام في الاستسقاء ، والبداءة بحمد الله تعالى ، والثناء عليه ، قال الشيخ تقي الدين : وختمه به ، والصلاة على النبي [ ص: 476 ] - صلى الله عليه وسلم - أوله ، وآخره قال الآجري : ووسطه ، وسؤاله بأسمائه وصفاته بدعاء جامع مأثور ، ويكون متطهرا مستقبل القبلة ، ويلح ، ويكرره ثلاثا ، ولا يسأم من تكراره في أوقات ، ولا يعجل ، وينتظر الفرج من الله تعالى ، ويجتنب السجع ، وسئل ابن عقيل : هل يجوز أن يقال في القرآن سجع ؛ فأجاب بالجواز ، قال ابن الصيرفي : لو سكت عن هذا كان أحسن ، ولا يعتد فيه ، ويبدأ بنفسه ، ويعم ، ويؤمن المستمع ، وتأمينه في أثناء دعائه ، وختمه به متجه ، ويكره رفع بصره ، وظاهر كلام جماعة خلافه ، وشرطه الإخلاص ، قال الآجري : واجتناب الحرام ، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره أنه من الأدب ، وقال الشيخ تقي الدين : تبعد إجابته إلا مضطرا أو مظلوما ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد في الدعاء قال : يا حي يا قيوم رواه الترمذي من رواية إبراهيم بن الفضل ، وهو ضعيف .




                                                                                                                          الخدمات العلمية