الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 2 - قضاء بعض الصلاة ]

وأما القضاء الذي يكون في فوات بعض الصلوات ، فمنه ما يكون سببه النسيان ، ومنه ما يكون سببه سبق الإمام للمأموم : ( أعني : أن يفوت المأموم بعض صلاة الإمام ) ، [ قضاء بعض الصلاة بسبب سبق الإمام للمأموم ]

فأما إذا فات المأموم بعض الصلاة ، فإن فيه مسائل ثلاثا قواعد : إحداها : متى تفوت الركعة . والثانية : هل إتيانه بما فاته بعد صلاة الإمام أداء أو قضاء . والثالثة : متى يلزمه حكم صلاة الإمام ومتى لا يلزمه ذلك .

[ المسألة الأولى من المسائل الثلاث القواعد ]

أما متى تفوته الركعة ؟ فإن في ذلك مسألتين : إحداهما : إذا دخل والإمام قد أهوى إلى الركوع . والثانية : إذا كان مع الإمام في الصلاة فسها أن يتبعه في الركوع أو منعه ذلك ما وقع من زحام أو غيره .

[ المسألة الأولى ]

[ إذا دخل المأموم وقد أهوى الإمام إلى الركوع ]

فإن فيها ثلاثة أقوال : [ ص: 157 ] أحدها : ( وهو الذي عليه الجمهور ) : أنه إذا أدرك الإمام قبل أن يرفع رأسه من الركوع وركع معه ، فهو مدرك للركعة ، وليس عليه قضاؤها ، وهؤلاء اختلفوا : هل من شرط هذا الداخل أن يكبر تكبيرتين تكبيرة للإحرام وتكبيرة للركوع أو يجزيه تكبيرة الركوع ؟ . وإن كانت تجزيه فهل من شرطها أن ينوي بها تكبيرة الإحرام أم ليس ذلك من شرطها ؟ فقال بعضهم : بل تكبيرة واحدة تجزيه إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح ، وهو مذهب مالك والشافعي ، والاختيار عندهم تكبيرتان ، وقال قوم : لا بد من تكبيرتين ، وقال قوم : تجزي واحدة وإن لم ينو بها تكبيرة الافتتاح . والقول الثاني أنه إذا ركع الإمام فقد فاتته الركعة ، وأنه لا يدركها ما لم يدركه قائما ، وهو منسوب إلى أبي هريرة . والقول الثالث : أنه إذا انتهى إلى الصف الآخر ، وقد رفع الإمام رأسه ، ولم يرفع بعضهم ، فأدرك ذلك أنه يجزيه ; لأن بعضهم أئمة لبعض ، وبه قال الشعبي .

وسبب هذا الاختلاف : تردد اسم الركعة بين أن يدل على الفعل نفسه الذي هو الانحناء فقط ، أو على الانحناء والوقوف معا ، وذلك أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة " قال ابن المنذر : ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن كان اسم الركعة ينطلق عنده على القيام والانحناء معا قال : إذا فاته قيام الإمام فقد فاتته الركعة ، ومن كان اسم الركعة ينطلق عنده على الانحناء نفسه جعل إدراك الانحناء إدراكا للركعة ، والاشتراك الذي عرض لهذا الاسم إنما هو من قبل تردده بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي ، وذلك أن اسم الركعة ينطلق لغة على الانحناء ، وينطلق شرعا على القيام والركوع والسجود فمن رأى أن اسم الركعة ينطلق في قوله - عليه الصلاة والسلام - " من أدرك ركعة " على الركعة الشرعية ، ولم يذهب مذهب الآخذ ببعض ما تدل عليه الأسماء قال : لا بد أن يدرك مع الإمام الثلاثة الأحوال ( أعني : القيام ، والانحناء ، والسجود ) ، ويحتمل أن يكون من ذهب إلى اعتبار الانحناء فقط أن يكون اعتبر أكثر ما يدل عليه الاسم ههنا ; لأن من أدرك الانحناء فقد أدرك منها جزأين ، ومن فاته الانحناء إنما هو أدرك منها جزءا واحدا فقط ، فعلى هذا يكون الخلاف آيلا إلى اختلافهم في الأخذ ببعض دلالة الأسماء أو بكلها ، فالخلاف يتصور فيها من الوجهين جميعا .

وأما من اعتبر ركوع من في الصف من المأمومين فلأن الركعة من الصلاة قد تضاف إلى الإمام فقط ، وقد تضاف إلى الإمام والمأمومين .

فسبب الاختلاف : هو الاحتمال في هذه الإضافة : ( أعني : قوله - عليه الصلاة والسلام : - " من أدرك ركعة من الصلاة " ) وما عليه الجمهور أظهر .

وأما اختلافهم في : هل تجزيه تكبيرة واحدة أو تكبيرتان ؟ ( أعني المأموم إذا دخل في الصلاة والإمام راكع ) فسببه هل من شرط تكبيرة الإحرام أن يأتي بها واقفا أم لا ؟ فمن رأى أن من شرطها الموضع الذي تفعل فيه تعلقا بالفعل ( أعني فعله عليه الصلاة والسلام ) ، وكان يرى أن التكبير كله فرض قال : لا بد من تكبيرتين .

[ ص: 158 ] ومن رأى أنه ليس من شرطها الموضع تعلقا بعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - : " وتحريمها التكبير " وكان عنده أن تكبيرة الإحرام هي فقط الفرض قال : يجزيه أن يأتي بها وحدها . وأما من أجاز أن يأتي بتكبيرة واحدة ولم ينو بها تكبيرة الإحرام ، فقيل : يبني على مذهب من يرى أن تكبيرة الإحرام ليست بفرض ، وقيل : إنما يبني على مذهب من يجوز تأخير نية الصلاة عن تكبيرة الإحرام ; لأنه ليس معنى أن ينوي تكبيرة الإحرام إلا مقارنة النية للدخول في الصلاة ; لأن تكبيرة الإحرام لها وصفان : النية المقارنة ، والأولية : ( أعني وقوعها في أول الصلاة ) ، فمن اشترط الوصفين قال : لا بد من النية المقارنة ، ومن اكتفى بالصفة الواحدة اكتفى بتكبيرة واحدة ، وإن لم تقارنها النية .

التالي السابق


الخدمات العلمية