الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو أيوب الأنصاري ( ع )

                                                                                      الخزرجي النجاري البدري السيد الكبير الذي خصه النبي - صلى الله عليه وسلم- بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بنيت له حجرة أم المؤمنين سودة ، وبني المسجد الشريف .

                                                                                      اسمه : خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج . [ ص: 403 ]

                                                                                      حدث عنه : جابر بن سمرة ، والبراء بن عازب . والمقدام بن معد يكرب ، وعبد الله بن يزيد الخطمي ، وجبير بن نفير ، وسعيد بن المسيب ، وموسى بن طلحة ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن يزيد الليثي ، وأفلح مولاه ، وأبو رهم السماعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن ; وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقرثع الضبي . ومحمد بن كعب ، والقاسم أبو عبد الرحمن ، وآخرون .

                                                                                      وله عدة أحاديث ، ففي " مسند " بقي له مائة وخمسة وخمسون حديثا ; فمنها في البخاري ومسلم سبعة ، وفي البخاري حديث ، وفي مسلم خمسة أحاديث .

                                                                                      حرملة : حدثنا ابن وهب ، أخبرنا حيوة ، أخبرنا الوليد بن أبي الوليد ، حدثنا أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري ، عن أبيه عن جده :

                                                                                      أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال له : اكتم الخطبة ، ثم توضأ ، ثم صل ما كتب الله لك ، ثم احمد ربك ومجده ، ثم قل : اللهم إنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . فإن رأيت لي في فلانة - تسميها- خيرا في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي ، وإن كان غيرها خيرا لي منها ، فأمض لي - أو قال : اقدرها لي [ ص: 404 ]

                                                                                      وفي سيرة ابن عباس : أنه كان أميرا على البصرة لعلي ، وأن أبا أيوب الأنصاري وفد عليه ، فبالغ في إكرامه ، وقال : لأجزينك على إنزالك النبي - صلى الله عليه وسلم- عندك ، فوصله بكل ما في المنزل ، فبلغ ذلك أربعين ألفا .

                                                                                      الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن أشياخه ، عن أبي أيوب ، أنه قال : ادفنوني تحت أقدامكم ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة .

                                                                                      ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، قال : شهد أبو أيوب بدرا ، ثم لم يتخلف عن غزاة إلا عاما ، استعمل على الجيش شاب ، فقعد ، ثم جعل يتلهف ، ويقول : ما علي من استعمل علي . فمرض ، وعلى الجيش يزيد بن معاوية ، فأتاه يعوده ، فقال : حاجتك ؟ قال : نعم ، إذا أنا مت ، فاركب بي ، ثم تبيغ بي في أرض العدو ما وجدت مساغا ; فإذا لم تجد مساغا ، فادفني ، ثم ارجع .

                                                                                      فلما مات ، ركب به ، ثم سار به ، ثم دفنه . وكان يقول : قال الله : [ ص: 405 ] انفروا خفافا وثقالا لا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا .

                                                                                      وروى همام ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن رجل : أن أبا أيوب قال ليزيد : أقرئ الناس مني السلام ; ولينطلقوا بي وليبعدوا ما استطاعوا . قال : ففعلوا .

                                                                                      قال الواقدي : توفي عام غزا يزيد في خلافة أبيه القسطنطينية فلقد بلغني : أن الروم يتعاهدون قبره ، ويرمونه ، ويستسقون به . وذكره عروة والجماعة في البدريين .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : شهد العقبة الثانية .

                                                                                      قال محمد بن سيرين : النجار سمي بذلك ; لأنه اختتن بقدوم .

                                                                                      وعن ابن إسحاق : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- آخى بين أبي أيوب ومصعب بن عمير .

                                                                                      شهد أبو أيوب المشاهد كلها . [ ص: 406 ]

                                                                                      وقال أحمد بن البرقي : جاء له نحو من خمسين حديثا .

                                                                                      قال ابن يونس : قدم مصر في البحر سنة ست وأربعين .

                                                                                      وقال أبو زرعة النصري : قدم دمشق زمن معاوية .

                                                                                      وقال الخطيب : شهد حرب الخوارج مع علي .

                                                                                      جعفر بن جسر بن فرقد : أخبرنا أبي : حدثنا عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، قال : قال أهل المدينة لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ادخل المدينة راشدا مهديا ، فدخلها وخرج الناس ينظرون إليه ، كلما مر على قوم ، قالوا : يا رسول الله ، هاهنا . فقال : دعوها ، فإنها مأمورة - يعني الناقة - حتى بركت على باب أبي أيوب .

                                                                                      يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن أبي رهم : أن أبا أيوب حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نزل في بيتنا الأسفل ، وكنت في الغرفة ، فأهريق ماء في الغرفة ، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء ، ونزلت فقلت : يا رسول الله ، لا ينبغي أن نكون فوقك ، انتقل إلى الغرفة . فأمر بمتاعه فنقل - ومتاعه قليل- قلت : يا رسول الله ، كنت ترسل بالطعام ، فأنظر فإذا رأيت أثر أصابعك ، وضعت فيه يدي . [ ص: 407 ]

                                                                                      بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن أبي أيوب ، قال : أقرعت الأنصار أيهم يئوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقرعهم أبو أيوب . فكان إذا أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- طعام ، أهدي لأبي أيوب . فدخل أبو أيوب يوما ، فإذا قصعة فيها بصل ، فلم يأكل منها ، وقال : إنه يغشاني ما لا يغشاكم .

                                                                                      الصنعاني : حدثنا محمد بن سابق : حدثنا حشرج بن نباتة ، عن إسحاق بن إبراهيم : سمع أبا قلابة يقول : حدثني أبو عبد الله الصنابحي ، أن عبادة بن الصامت حدثه ، قال : خلوت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقلت : أي أصحابك أحب إليك ؟ قال : اكتم علي حياتي ؟ قلت : نعم . قال : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم علي ثم سكت . فقلت : ثم من ؟ قال : من عسى أن يكون بعد هؤلاء إلا الزبير ، وطلحة ، وسعد ، وأبو عبيدة ، ومعاذ ، [ ص: 408 ] وأبو طلحة ، وأبو أيوب ، وأنت ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وابن مسعود ، وابن عفان ، وابن عوف ; ثم هؤلاء الرهط من الموالي : سلمان ، وصهيب ، وبلال ، وسالم مولى أبي حذيفة ; هؤلاء خاصتي . هذا حديث منكر . رواه الهيثم الشاشي في " مسنده " .

                                                                                      الواقدي : حدثنا كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة ، قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بصفية ، بات أبو أيوب على باب النبي ، صلى الله عليه وسلم . فلما أصبح ، فرأى رسول الله ، كبر ، ومع أبي أيوب السيف ، فقال : يا رسول الله ، كانت جارية حديثة عهد بعرس ، وكنت قتلت أباها وأخاها وزوجها ; فلم آمنها عليك . فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال له خيرا غريب جدا ، وله شويهد من حديث عيسى بن المختار ، وابن أبي ليلى ، عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس ، فذكر قريبا منه . وأبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عمر بن أبي بكر ، عن عبد الله بن أبي عبيدة ، عن أبيه ، عن مقسم ، عن جابر ، بنحوه .

                                                                                      وابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، نحوه .

                                                                                      عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : أعرست ، فدعا أبي الناس ، فيهم أبو أيوب ، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر . فجاء أبو أيوب ، فطأطأ رأسه ، فنظر فإذا البيت مستر . فقال : يا عبد الله ، تسترون الجدر ؟ فقال أبي واستحيى : غلبنا النساء يا أبا أيوب . فقال : من خشيت أن [ ص: 409 ] تغلبه النساء ، فلم أخش أن يغلبنك . لا أدخل لكم بيتا ، ولا آكل لكم طعاما ! .

                                                                                      غريب ، رواه النفيلي عن ابن علية ، عنه .

                                                                                      ابن أبي ذئب ، عن عبد العزيز بن عباس ، عن محمد بن كعب ، قال : كان أبو أيوب يخالف مروان ، فقال : ما يحملك على هذا ؟ قال : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلوات ، فإن وافقته ، وافقناك ، وإن خالفته ، خالفناك .

                                                                                      مروان بن معاوية ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن أبيه ، قال : انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر ، وكان معنا رجل مزاح ، فكان يقول لصاحب طعامنا : جزاك الله خيرا وبرا ، فيغضب . فقلنا لأبي أيوب : هنا من إذا قلنا له : جزاك الله خيرا يغضب . فقال : اقلبوه له . فكنا نتحدث : إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر .

                                                                                      فقال له المزاح : جزاك الله شرا وعرا ، فضحك ، وقال : ما تدع مزاحك . [ ص: 410 ]

                                                                                      ذكر خليفة : أن عليا استعمل أبا أيوب على المدينة .

                                                                                      وقال الحاكم : لم يشهد أبو أيوب مع علي صفين .

                                                                                      الأعمش ، عن أبي ظبيان : أن أبا أيوب غزا زمن معاوية ، فلما احتضر ، قال : إذا صاففتم العدو ، فادفنوني تحت أقدامكم .

                                                                                      ابن فضيل : حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي صادق قال : قدم أبو أيوب الأنصاري العراق ، فأهدت له الأزد جزرا معي . فسلمت ، وقلت : يا أبا أيوب ، قد أكرمك الله بصحبة نبيه وبنزوله عليك ; فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم بسيفك ؟ قال : إن رسول الله عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين ، فقد قاتلناهم ; والقاسطين ، فهذا وجهنا إليهم - يعني معاوية - والمارقين ، فلم أرهم بعد . هذا خبر واه .

                                                                                      إسحاق بن سليمان الرازي : حدثنا أبو سنان ، عن حبيب بن أبي ثابت : أن أبا أيوب قدم على ابن عباس البصرة ، ففرغ له بيته ، وقال : لأصنعن بك كما صنعت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- كم عليك ؟ قال : عشرون ألفا فأعطاه أربعين ألفا ، وعشرين مملوكا ، ومتاع البيت . [ ص: 411 ]

                                                                                      ابن عون : حدثنا محمد ، وحدثنا عمر بن كثير بن أفلح ، وهذا حديثه ، قال : قدم أبو أيوب على معاوية ، فأجلسه معه على السرير ، وحادثه ، وقال : يا أبا أيوب ، من قتل صاحب الفرس البلقاء التي جعلت تجول يوم كذا وكذا ؟ قال : أنا ; إذ أنت وأبوك على الجمل الأحمر معكما لواء الكفر . فنكس معاوية ، وتنمر أهل الشام ، وتكلموا . فقال معاوية : مه! وقال : ما نحن عن هذا سألناك .

                                                                                      أبو إسحاق الفزاري ، عن إبراهيم بن كثير : سمعت عمارة بن غزية ، قال : دخل أبو أيوب على معاوية ، فقال : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سمعته يقول : يا معشر الأنصار ، إنكم سترون بعدي أثرة ، فاصبروا فبلغت معاوية ، فصدقه ، فقال : ما أجرأه ! لا أكلمه أبدا ، ولا يئويني وإياه سقف . وخرج من فوره إلى الغزو ، فمرض ; فعاده يزيد بن معاوية ، وهو على الجيش ، فقال : هل لك من حاجة ؟ قال : ما ازددت عنك وعن أبيك إلا غنى ; إن شئت أن تجعل قبري مما يلي العدو . . . الحديث .

                                                                                      الأعمش ، عن أبي ظبيان ، قال : أغزى أبو أيوب ، فمرض ، فقال : إذا مت فاحملوني ، فإذا صاففتم العدو ، فارموني تحت أقدامكم . أما إني سأحدثكم بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سمعته يقول : [ ص: 412 ] من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة إسناده قوي .

                                                                                      جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه قال : أتيت مصر ، فرأيت الناس قد قفلوا من غزوهم ، فأخبروني أنهم لما كانوا عند انقضاء مغزاهم حيث يراهم العدو ، حضرأبا أيوب الموت ; فدعا الصحابة والناس ، فقال : إذا قبضت ، فلتركب الخيل ، ثم سيروا حتى تلقوا العدو ، فيردوكم ، فاحفروا لي ، وادفنوني ، ثم سووه! فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا يعرف ، فإذا رجعتم ، فأخبروا الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخبرني : أنه لا يدخل النار أحد يقول : لا إله إلا الله .

                                                                                      قال الوليد ، عن سعيد بن عبد العزيز : أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر ، حتى أجاز بهم الخليج ، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ، ثم قفل .

                                                                                      وعن الأصمعي ، عن أبيه : أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية ، وبني عليه ، فلما أصبحوا ، قالت الروم : يا معشر العرب ، قد كان لكم الليلة شأن . قالوا : مات رجل من أكابر أصحاب نبينا ، والله لئن نبش ، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب . فكانوا إذا قحطوا ، كشفوا عن قبره ، فأمطروا .

                                                                                      قال الواقدي : مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين ، وصلى عليه يزيد ، ودفن بأصل حصن القسطنطينية . فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره ، [ ص: 413 ] ويستسقون به .

                                                                                      وقال خليفة : مات سنة خمسين وقال يحيى بن بكير : سنة اثنتين وخمسين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية