الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      سعيد بن زيد ( ع )

                                                                                      ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب ، أبو الأعور القرشي العدوي .

                                                                                      أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن السابقين الأولين البدريين ، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .

                                                                                      شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشهد حصار دمشق وفتحها ، فولاه [ ص: 125 ] عليها أبو عبيدة بن الجراح ، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة .

                                                                                      وله أحاديث يسيرة . فله حديثان في الصحيحين . وانفرد البخاري له بحديث .

                                                                                      روى عنه ابن عمر ، وأبو الطفيل ، وعمرو بن حريث ، وزر بن حبيش ، وأبو عثمان النهدي ، وعروة بن الزبير ، وعبد الله بن ظالم ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وطائفة .

                                                                                      قرأت على أحمد بن عبد الحميد ، أخبركم الإمام أبو محمد بن قدامة سنة ثمان عشرة وست مائة ، أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة ، بقراءتي ، أنبأنا طراد بن محمد الزينبي ، أنبأنا ابن رزقويه ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن يحيى الطائي ، سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة ، حدثنا علي بن حرب ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عمرو بن حريث ، عن سعيد بن زيد بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل ، وماؤها شفاء للعين " .

                                                                                      أخرجه البخاري من طريق ابن عيينة ، فوقع لنا بدلا عاليا . [ ص: 126 ]

                                                                                      قرأت على علي بن عيسى التغلبي ، أخبركم محمد بن إبراهيم الصوفي سنة عشرين وست مائة ، أنبأنا أبو طاهر السلفي ، أنبأنا عبد الله الثقفي ، أنبأنا أحمد بن الحسن ، أنبأنا حاجب بن أحمد ، حدثنا عبد الرحيم ، هو ابن منيب ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن طلحة عن سعيد بن زيد يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من ظلم من الأرض شبرا طوقه من سبع أرضين ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد " .

                                                                                      هذا حديث صالح الإسناد ، لكنه فيه انقطاع ; لأن طلحة بن عبد الله بن عوف لم يسمعه من سعيد . رواه مالك ، ويونس ، وجماعة ، عن الزهري فأدخلوا بين طلحة وسعيد : عبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري . أخرجه البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري .

                                                                                      كان والده زيد بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة الأصنام ، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم ، فرأى النصارى واليهود ، فكره دينهم ، [ ص: 127 ] وقال : اللهم إني على دين إبراهيم ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم - عليه السلام - كما ينبغي ، ولا رأى من يوقفه عليها ، وهو من أهل النجاة ، فقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يبعث أمة وحده وهو ابن عم الإمام عمر بن الخطاب ، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعش حتى بعث .

                                                                                      فنقل يونس بن بكير ، وهو من أوعية العلم بالسير ، عن محمد بن إسحاق قال : قد كان نفر من قريش : زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، وعثمان بن الحارث بن أسد ، وعبيد الله بن جحش ، وأميمة ابنة عبد المطلب حضروا قريشا عند وثن لهم ، كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم ، فلما اجتمعوا ، خلا أولئك النفر بعضهم إلى بعض ، وقالوا : تصادقوا وتكاتموا ، فقال قائلهم : تعلمن والله ما قومكم على شيء ، لقد أخطئوا دين إبراهيم وخالفوه ، فما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع ، فابتغوا لأنفسكم .

                                                                                      قال : فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض ، يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتطلبون الحنيفية ، فأما ورقة فتنصر ، واستحكم في النصرانية ، وحصل الكتب ، وعلم علما كثيرا ، ولم يكن فيهم أعدل شأنا من زيد ; اعتزل الأوثان والملل إلا دين إبراهيم ، يوحد الله - تعالى - ولا يأكل من ذبائح قومه ، وكان الخطاب عمه قد آذاه ، فنزح عنه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء ، فوكل به الخطاب شبابا سفهاء لا يدعونه يدخل مكة ، فكان لا يدخلها إلا سرا .

                                                                                      وكان الخطاب أخاه أيضا من أمه ، فكان يلومه على فراق دينه . فسار زيد إلى الشام والجزيرة والموصل يسأل عن الدين . [ ص: 128 ]

                                                                                      أخبرنا يوسف بن أحمد بن أبي بكر الحجار ، أنبأنا موسى بن عبد القادر ، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البنا ، ( ح ) وأنبأنا أحمد بن المؤيد ، أنبأنا الحسن بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني . وقرأت على عمر بن المنعم ، في سنة ثلاث وتسعين ، عن أبي اليمن الكندي ، إجازة في سنة ثمان وست مائة ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله ، قالوا : أنبأنا محمد بن محمد الزينبي ، أنبأنا محمد بن عمر الوراق ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا عيسى بن حماد ، أنبأنا الليث بن سعد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش ، والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري . وكان يحيي الموءودة ، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : مه ! لا تقتلها . أنا أكفيك مؤنتها ، فيأخذها ، فإذا ترعرعت ، قال لأبيها : إن شئت ، دفعتها إليك ، وإن شئت ، كفيتك مؤنتها .

                                                                                      هذا حديث صحيح غريب ، تفرد به الليث ; وإنما يرويه عن هشام كتابة ، وقد علقه البخاري في " صحيحه " فقال : وقال الليث : كتب إلي هشام ، فذكره . وقد سمعه ابن إسحاق من هشام . [ ص: 129 ]

                                                                                      وعندي بالإسناد المذكور إلى الليث ، عن هشام نسخة ، فمن أنكر ما فيها : عن أبيه عروة أنه قال : مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب ، يلصق ظهره بالرمضاء وهو يقول : أحد أحد ، فقال ورقة : أحد أحد يا بلال ، صبرا يا بلال . لم تعذبونه ؟ فوالذي نفسي بيده ، لإن قتلتموه ، لأتخذنه حنانا . يقول : لأتمسحن به . هذا مرسل . وورقة لو أدرك هذا ، لعد من الصحابة ، وإنما مات الرجل في فترة الوحي بعد النبوة وقبل الرسالة كما في الصحيح .

                                                                                      يونس بن بكير : عن ابن إسحاق ، حدثني هشام ، عن أبيه ، عن أسماء أن ورقة كان يقول : اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك ، عبدتك به ، ولكني لا أعلم ، ثم يسجد على راحته .

                                                                                      يونس بن بكير ، وعدة : عن المسعودي ، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : مر زيد بن عمرو على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وزيد بن حارثة ، فدعواه إلى سفرة لهما ، فقال : يا ابن أخي ، إني لا آكل مما ذبح على النصب ، فما رئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك اليوم يأكل مما ذبح على النصب المسعودي ليس بحجة .

                                                                                      أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ، عن يزيد ، عن المسعودي ، ثم زاد في آخره : قال سعيد فقلت : يا رسول الله ، إن أبي كان كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له . قال : " نعم ، فأستغفر له ، فإنه [ ص: 130 ] يبعث أمة وحده " .

                                                                                      وقد رواه إبراهيم الحربي قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو قطن ، عن المسعودي ، عن نفيل ، عن أبيه ، عن جده قال : مر زيد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبابن حارثة وهما يأكلان في سفرة فدعواه ، فقال : إني لا آكل مما ذبح على النصب . قال : وما رئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، آكلا مما ذبح على النصب .

                                                                                      فهذا اللفظ مليح يفسر ما قبله ، وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده ولو احتمل جواز ذلك ، فبالضرورة ندري أنه كان يأكل من ذبائح [ ص: 131 ] قريش قبل الوحي ، وكان ذلك على الإباحة ; وإنما توصف ذبائحهم بالتحريم بعد نزول الآية ، كما أن الخمرة كانت على الإباحة ، إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم أحد ، والذي لا ريب فيه أنه كان معصوما قبل الوحي ، وبعده وقبل التشريع من الزنا قطعا ، ومن الخيانة ، والغدر ، والكذب ، والسكر ، والسجود لوثن ، والاستقسام بالأزلام ، ومن الرذائل ، والسفه ، وبذاء اللسان ، وكشف العورة ، فلم يكن يطوف عريانا ، ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة ، بل كان يقف بعرفة . وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك لما كان عليه تبعة ; لأنه كان لا يعرف ، ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - تسليما .

                                                                                      أبو معاوية : عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دخلت الجنة ، فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين " .

                                                                                      غريب . رواه الباغندي عن الأشج ، عنه .

                                                                                      عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء قالت : رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول : [ ص: 132 ] ويحكم يا معشر قريش ، إياكم والزنا ; فإنه يورث الفقر .

                                                                                      أبو الحسن المدائني : عن إسماعيل بن مجالد ، عن أبيه ، عن الشعبي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال : قال زيد بن عمرو : شاممت النصرانية واليهودية ، فكرهتهما ، فكنت بالشام ، فأتيت راهبا ، فقصصت عليه أمري ، فقال : أراك تريد دين إبراهيم - عليه السلام - يا أخا أهل مكة ، إنك لتطلب دينا ما يوجد اليوم ، فالحق ببلدك ، فإن الله يبعث من قومك من يأتي بدين إبراهيم ، بالحنيفية ، وهو أكرم الخلق على الله .

                                                                                      وبإسناد ضعيف : عن حجير بن أبي إهاب قال : رأيت زيد بن عمرو يراقب الشمس ، فإذا زالت ، استقبل الكعبة ، فصلى ركعة ، وسجد سجدتين .

                                                                                      وأنشد الضحاك بن عثمان الحزامي لزيد :

                                                                                      وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا     إذا سقيت بلدة من بلاد
                                                                                      سيقت إليها فسحت سجالا     وأسلمت نفسي لمن أسلمت
                                                                                      له الأرض تحمل صخرا ثقالا [ ص: 133 ]     دحاها فلما استوت شدها
                                                                                      سواء وأرسى عليها الجبالا

                                                                                      وروى هشام بن عروة فيما نقله عنه ابن أبي الزناد ، أنه بلغه أن زيد بن عمرو كان بالشام . فلما بلغه خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أقبل يريده ، فقتله أهل ميفعة بالشام .

                                                                                      وروى الواقدي أنه مات فدفن بأصل حراء ، وقال ابن إسحاق : قتل ببلاد لخم .

                                                                                      عبد العزيز بن المختار : أنبأنا موسى بن عقبة ، أخبرني سالم ، سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه لقي زيد بن عمرو أسفل بلدح قبل الوحي . فقدم إلى زيد سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل ، وقال : لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ، أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه .

                                                                                      أخرجه البخاري وزاد في آخره : وكان يعيب على قريش ويقول : الشاة خلقها الله ، وأنزل لها من السماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله ؟ .

                                                                                      أبو أسامة وغيره قالا : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، [ ص: 134 ] عن أسامة بن زيد ، عن زيد بن حارثة قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ، فذبحنا له - ضمير له راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - شاة ، ووضعناها في التنور ، حتى إذا نضجت ، جعلناها في سفرتنا ، ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير ، وهو مردفي ، في أيام الحر ، حتى إذا كنا بأعلى الوادي ، لقي زيد بن عمرو ، فحيى أحدهما الآخر ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ، أي : أبغضوك ؟ قال : أما والله إن ذلك مني لغير نائرة كانت مني إليهم ، ولكني أراهم على ضلالة ، فخرجت أبتغي الدين ، حتى قدمت على أحبار أيلة ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به ، فدللت على شيخ بالجزيرة ، فقدمت عليه ، فأخبرته ، فقال : إن كل من رأيت في ضلالة ، إنك لتسأل عن دين هو دين الله وملائكته ، وقد خرج في أرضك نبي ، أو هو خارج ، ارجع إليه ، واتبعه . فرجعت ، فلم أحس شيئا ، فأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعير ، ثم قدمنا إليه السفرة ، فقال : ما هذه ؟ قلنا : شاة ذبحناها للنصب كذا . قال : فقال إني لا آكل مما ذبح لغير الله ، ثم تفرقا ، ومات زيد قبل المبعث ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يأتي أمة وحده " .

                                                                                      رواه إبراهيم الحربي في " الغريب " عن شيخين له ، عن أبي أسامة ، ثم قال : في ذبحها على النصب وجهان : إما أن زيدا فعله عن غير أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنه كان معه ، فنسب ذلك إليه ; لأن زيدا لم يكن معه من العصمة والتوفيق [ ص: 135 ] ما أعطاه الله لنبيه ، وكيف يجوز ذلك وهو - عليه السلام - قد منع زيدا أن يمس صنما ، وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ، هذا محال .

                                                                                      الثاني : أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده .

                                                                                      قلت : هذا حسن ; فإنما الأعمال بالنية ، أما زيد ، فأخذ بالظاهر ، وكان الباطن لله ، وربما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإفصاح خوف الشر ، فإنا مع علمنا بكراهيته للأوثان ، نعلم أيضا أنه ما كان قبل النبوة مجاهرا بذمها بين قريش ، ولا معلنا بمقتها قبل المبعث ، والظاهر أن زيدا - رحمه الله - توفي قبل المبعث ، فقد نقل ابن إسحاق أن ورقة بن نوفل رثاه بأبيات ، وهي :

                                                                                      رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما     تجنبت تنورا من النار حاميا
                                                                                      بدينك ربا ليس رب كمثله     وتركك أوثان الطواغي كما هيا
                                                                                      وإدراكك الدين الذي قد طلبته     ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
                                                                                      فأصبحت في دار كريم مقامها     تعلل فيها بالكرامة لاهيا
                                                                                      وقد تدرك الإنسان رحمة ربه     ولو كان تحت الأرض سبعين واديا

                                                                                      نعم ، وعد عروة سعيد بن زيد في البدريين فقال : قدم من الشام بعد بدر ، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فضرب له بسهمه وأجره وكذلك قال موسى بن [ ص: 136 ] عقبة وابن إسحاق .

                                                                                      وامرأته هي ابنة عمه فاطمة ، أخت عمر بن الخطاب .

                                                                                      أسلم سعيد قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم .

                                                                                      وأخرج البخاري من ثلاثة أوجه ، عن إسماعيل ، عن قيس بن أبي حازم قال : قال سعيد بن زيد : لقد رأيتني ، وإن عمر لموثقي على الإسلام وأخته ، ولو أن أحدا انقض بما صنعتم بعثمان لكان حقيقا .

                                                                                      وقد ذكرنا في إسلام عمر فصلا في المعنى .

                                                                                      وذكر ابن سعد في " طبقاته " عن الواقدي ، عن رجاله قالوا : لما تحين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصول عير قريش من الشام ، بعث طلحة وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر ، يتحسسان خبر العير ، فبلغا الحوراء ، فلم يزالا مقيمين هناك ، حتى مرت بهم العير ، فتساحلت ، فبلغ نبي الله الخبر قبل [ ص: 137 ] مجيئهما ، فندب أصحابه ، وخرح يطلب العير ، فتساحلت وساروا الليل والنهار ، ورجع طلحة وسعيد ليخبرا ، فوصلا المدينة يوم الوقعة ، فخرجا يؤمانه ، وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمهما وأجورهما ، وشهد سعيد أحدا والخندق والحديبية والمشاهد .

                                                                                      وقد تقدمت عدة أحاديث في أنه من أهل الجنة ، وأنه من الشهداء .

                                                                                      قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر أنهما في الجنة ، فقال : نعم ، اذهب إلى حديث سعيد بن زيد .

                                                                                      هشام بن عروة ، عن أبيه أن أروى بنت أويس ادعت أن سعيد بن زيد أخذ شيئا من أرضها ، فخاصمته إلى مروان ، فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله ؟ سمعته يقول : " من أخذ شيئا من الأرض طوقه إلى سبع أرضين " قال مروان : لا أسألك بينة بعد هذا ، فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة ، فأعم بصرها ، واقتلها في أرضها . فما ماتت حتى عميت ، وبينا هي تمشي في أرضها ، إذ وقعت في حفرة فماتت .

                                                                                      أخرجه مسلم . وروى عبد العزيز بن أبي حازم ، عن العلاء بن عبد الرحمن [ ص: 138 ] نحوه عن أبيه . وروى المغيرة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، نحوه .

                                                                                      وقال ابن أبي حازم في حديثه : سألت أروى سعيدا أن يدعو لها ، وقالت : قد ظلمتك . فقال : لا أرد على الله شيئا أعطانيه .

                                                                                      قلت : لم يكن سعيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة ; وإنما تركه عمر رضي الله عنه ؛ لئلا يبقى له فيه شائبة حظ ; لأنه ختنه وابن عمه ، ولو ذكره في أهل الشورى لقال الرافضي : حابى ابن عمه . فأخرج منها ولده وعصبته . فكذلك فليكن العمل لله .

                                                                                      خالد الطحان : عن عطاء بن السائب . عن محارب بن دثار قال : كتب [ ص: 139 ] معاوية إلى مروان والي المدينة ، ليبايع لابنه يزيد ، فقال رجل من جند الشام : ما يحبسك ؟ قال : حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع ، فإنه سيد أهل البلد ، وإذا بايع ، بايع الناس ، قال : أفلا أذهب فآتيك به ؟ وذكر الحديث .

                                                                                      أنبئنا وأخبرنا عن حنبل سماعا ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا القطيعي ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن حصين ومنصور ، عن هلال بن يساف ، عن سعيد بن زيد - وقال حصين : عن ابن ظالم ، عن سعيد بن زيد - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اسكن حراء ; فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " . وعليه النبي ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن ، وسعيد بن زيد .

                                                                                      ابن سعد : أنبأنا أبو ضمرة ، عن يحيى بن سعيد ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر أنه استصرخ على سعيد بن زيد يوم الجمعة بعدما ارتفع النهار ، فأتاه ابن عمر بالعقيق ، وترك الجمعة . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أمية : عن نافع قال : مات سعيد بن زيد وكان يذرب . [ ص: 140 ]

                                                                                      فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر : أتحنطه بالمسك ؟ فقال : وأي طيب أطيب من المسك ! فناولته مسكا .

                                                                                      سليمان بن بلال حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن عائشة بنت سعد قالت : مات سعيد بن زيد بالعقيق ، فغسله سعد بن أبي وقاص ، وكفنه ، وخرج معه .

                                                                                      وروى غير واحد ، عن مالك قال : مات سعيد بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص بالعقيق . قال الواقدي : توفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين ، وهو ابن بضع وسبعين سنة ، وقبر بالمدينة . نزل في قبره سعد ، وابن عمر ، وكذا قال أبو عبيد ، ويحيى بن بكير ، وشهاب . قال الواقدي : كان سعيد رجلا ، آدم ، طويلا ، أشعر . وقد شذ الهيثم بن عدي فقال : مات بالكوفة . وقال عبيد الله بن سعد الزهري : مات سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنه .

                                                                                      فهذا ما تيسر من سيرة العشرة ، وهم أفضل قريش ، وأفضل السابقين المهاجرين ، وأفضل البدريين ، وأفضل أصحاب الشجرة ، وسادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة . فأبعد الله الرافضة ، ما أغواهم وأشد هواهم ، كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة حقهم ، وافتروا عليهم بأنهم كتموا النص في علي أنه الخليفة . فوالله ما جرى من ذلك شيء ، وإنهم زوروا الأمر عنه بزعمهم ، وخالفوا نبيهم ، وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم يتجر ويتكسب ، [ ص: 141 ] لا لرغبة في أمواله ولا لرهبة من عشيرته ورجاله ، ويحك ! أيفعل هذا من له مسكة عقل ؟ ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة ، ولو جاز وقوعه من جماعة ، لاستحال وقوعه ، والحالة هذه ، من ألوف من سادة المهاجرين والأنصار ، وفرسان الأمة ، وأبطال الإسلام ، لكن لا حيلة في برء الرفض ; فإنه داء مزمن ، والهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، فلا قوة إلا بالله .

                                                                                      حديث مشترك ، وهو منكر جدا . رواه الطبراني في " المعجم الكبير " حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، وقال أبو عمرو بن حمدان : حدثنا الحسن بن سفيان ، في مسنده ، قالا : حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عبد المؤمن بن عباد العبدي ، حدثنا يزيد بن معن ، حدثني عبد الله بن شرحبيل ، عن رجل من قريش ، عن زيد بن أبي أوفى - رضي الله عنه - ، قال : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجد المدينة ، فجعل يقول : " أين فلان ، أين فلان ؟ فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا ، فقال : إني محدثكم بحديث فاحفظوه ، وعوه : إن الله اصطفى من خلقه خلقا يدخلهم الجنة ، وإني مصطف منكم ومؤاخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة . قم يا أبا بكر ، فقام ، فقال : إن لك عندي يدا ، إن الله يجزيك بها ، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذتك ، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي ، ادن يا عمر ، فدنا ، فقال : قد كنت شديد الشغب علينا ، فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبي جهل ، ففعل الله بك ذلك ، وأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة ، ثم آخى بينه وبين أبي بكر ، ثم دعا عثمان ، فلم يزل يدنيه حتى ألصق ركبته بركبته ، ثم نظر إلى السماء ، فسبح ثلاثا ، ثم قال : إن لك شأنا في أهل السماء ، أنت ممن يرد علي الحوض ، وأوداجه تشخب .

                                                                                      فأقول : [ ص: 142 ] من فعل بك هذا ؟ فتقول : فلان ، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : ادن يا أمين الله ، والأمين في السماء ، يسلطك الله على مالك بالحق ، أما إن لك عندي دعوة قد أخرتها ، قال : خر لي يا رسول الله . قال : حملتني أمانة ، أكثر الله مالك ، وآخى بينه وبين عثمان ، ثم دعا طلحة والزبير ، فدنوا منه ، فقال : أنتما حواري كحواري عيسى ، وآخى بينهما ، ثم دعا سعدا وعمارا . فقال : يا عمار ، تقتلك الفئة الباغية ، ثم آخى بينهما ، ثم دعا أبا الدرداء وسلمان ، فقال : يا سلمان ، أنت منا أهل البيت ، وقد آتاك الله العلم الأول والعلم الآخر ، يا أبا الدرداء ، إن تنقدهم ينقدوك ، وإن تتركهم يتركوك ، وإن تهرب منهم يدركوك ، فأقرضهم عرضك ليوم فقرك ، ثم آخى بينهما ، ثم نظر إلى ابن عمر ، فقال : الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ، فقال علي : يا رسول الله ، ذهب روحي ، وانقطع ظهري حين تركتني . قال : ما أخرتك إلا لنفسي ، وأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ، ووارثي . قال : ما أرث منك ؟ قال : كتاب الله وسنة نبيه ، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة " . وتلا إخوانا على سرر متقابلين
                                                                                      .

                                                                                      زيد لا يعرف إلا في هذا الحديث الموضوع . وقد رواه محمد بن جرير الطبري ، [ ص: 143 ] عن حسين الدارع ، عن عبد المؤمن . فأسقط منه عن رجل .

                                                                                      وقال محمد بن الجهم السمري حدثنا عبد الرحيم بن واقد ، حدثنا شعيب بن يونس ، حدثنا موسى بن صهيب ، عن يحيى بن زكريا ، عن عبد الله بن شرحبيل . عن رجل ، عن زيد .

                                                                                      ورواه مطين مختصرا ، حدثنا ثابت بن يعقوب ، حدثنا ثابت بن حماد النصري ، عن موسى بن صهيب ، عن عبادة بن نسي ، عن عبد الله بن أبي أوفى .

                                                                                      وقال الحسن بن علي الحلواني : حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا أبو عبد الله الباهلي - يقال اسمه جعفر بن مرزوق - عن غياث بن شقير ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن سعيد بن عامر الجمحي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : يا أبا بكر ، تعال ، ويا عمر ، تعال . وذكر حديث المؤاخاة ، إلا أنه خالف في أسماء الإخوان ، وزاد ونقص منهم .

                                                                                      تفرد به شبابة ولا يصح .

                                                                                      والمحفوظ أنه آخى بين المهاجرين والأنصار ، ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء .

                                                                                      لسعيد بن زيد ثمانية وأربعون حديثا ، اتفقا له على حديثين . وانفرد البخاري بثالث .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية