الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لو نوى اشتراط التحلل من الإحرام بدون تلفظ

السؤال

أنا مقيمة بمكة وأديت العمرة كثيرا، وأنا حاليا حامل، ورأيت قبل سفري أن أذهب لأداء العمرة، وأحرمت من التنعيم، وفي نيتي إن أعانني الله على تكملة المناسك سأكملها، وإن تعبت نظرا لحملي سأتوقف ولم أستطع إلا تأدية الطواف فقط، ورجعت إلى بيتي وقلت يكفيني طواف التطوع؛ لأني أعلم أن العمرة سنة مؤكده، فإن أتممتها كان خيرا، وإن لم أستطع فلا شيء علي، وحدثت علاقة زوجية في اليوم التالي للعمرة، ولم أعلم أني ما زلت محرمة. فهل علي قضاء أو فدية؟ وهل يجوز تأجيل القضاء أو الفدية للعام المقبل لأني على سفر حاليا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أوقعك فيما وقعت فيه من المخالفة الجهل بأحكام الشرع، ولهذا فإننا نهيب بجميع المسلمين أن يتعلموا ما يلزمهم تعلمه من أحكام دينهم لئلا يقعوا في مخالفة الشرع من حيث لا يشعرون، وقد كان يسعك إذا خفت ألا تتمي نسكك أن تشترطي فتقولي ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ضباعة بنت الزبير حين حجت وهي شاكية وخافت ألا تتم نسكها: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. ولو كنت قلت هذا ثم تحللت لعدم قدرتك على إتمام النسك لم يكن عليك شيء، وأما مجرد نية التحلل إذا حدث ما يمنع إتمام النسك فلا يكفي على الراجح، وإن أبداه ابن قدامة احتمالا.

قال في المغني: فصل : فإن نوى الاشتراط ولم يتلفظ به احتمل أن يصح لأنه تابع لعقد الإحرام، والإحرام ينعقد بالنية، فكذلك تابعه، واحتمل أن يعتبر فيه القول لأنه اشتراط فاعتبر فيه القول كالاشتراط في النذر والوقف والاعتكاف. انتهى.

والمعتمد هو عدم الاجتزاء بالنية، قال في كشاف القناع: ( وإن نوى الاشتراط ولم يتلفظ به لم يفد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة ) بضم الضاد بنت الزبير ( قولي محلي ) أي مكان إحلالي ( من الأرض حيث حبستني ) والقول لا يكون إلا باللسان. انتهى.

فإذا علمت هذا فإنه لم يكن يجوز لك أن تتحللي من عمرتك تلك حتى تتمي النسك، فإن الشروع في العمرة ملزم بإتمامها اتفاقا، سواء كانت واجبة أو مستحبة، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: اتفق العلماء، على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها، كما هما قولان للعلماء. انتهى

وعليه، فإنك لم تزالي محرمة، ويجب عليك الامتناع من كل ما تمتنع منه المحرمة من التطيب وأخذ شيء من الشعر والأظفار ولبس النقاب والقفازين ونحو ذلك، ولا يستمتع بك زوجك، وعليك أن تكملي نسكك ثم تتحللي، وأما ما حصل من جماع فإنه لا يبطل نسكك ولا يوجب عليك الفدية لجهلك بالحكم، وهذا هو الراجح من كلام أهل العلم وانظري الفتوى رقم: 111640، ورقم: 124580.

وأما ما كان من محظورات الإحرام من قبيل الإتلاف كقص الشعر وتقليم الأظفار فالأحوط إخراج الفدية عنها وهي على التخيير بين صيام ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وذبح شاة، وإن كان كثير من أهل العلم يرجحون عدم لزوم الفدية في هذا أيضا لأجل الجهل بالحكم وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة