الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما معنى قضاء العمرة؟ وهل يجوز عقد النكاح لمن تحلل من عمرته الفاسدة ؟

السؤال

ما معنى قضاء العمرة؟ ومن أتم عمرة فاسدة، وخرج من إحرامه الأول، وما زال عليه قضاء عمرة، فهل هو باق على إحرامه، ولا يحلّ له عقد النكاح؟ ما تفصيل ذلك على المذاهب الأربعة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن أحرم بعمرة, ثم أفسدها, فإنه يجب عليه إكمال تلك العمرة الفاسدة، ثم يتحلل منها, ثم بعد ذلك يأتي بعمرة صحيحة على وجه القضاء.

ولا فرق ـ عند الجمهور ـ بين إفساد العمرة, وبين ارتكاب ما يفسدها من غير قصد، خلافًا للقول الأصح عند الشافعية، وإليك بعض كلام أهل العلم في هذه المسألة:

قال الباجي في المنتقي: يريد أنه يمضي على عمرته التي أفسد حتى يكملها، ويحلّ منها، كما يكمل التي لا فساد فيها, ولا يخرج من التي أفسدها بالفساد، بل يلزمه أن يمضي في فاسد الحج والعمرة، كما يمضي في صحيحهما، ولا يصحّ خروجه منهما إلا بالإكمال، والتحلل، وهذا مذهب جمهور الفقهاء. وقال داود: لا يمضي في فاسدهما، ويصحّ رفضهما متى شاء المكلّف بعد التلبس والإحرام لهما. والدليل على صحة ما ذهب إليه الجمهور، قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة:196]، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

ودليلنا من جهة القياس: أن إفساد الحج سبب يجب به القضاء، فلم يخرج له من الأحكام، كالفوات. اهـ.

وفي البيان على المذهب الشافعي: ويجب على من أفسد الحج أو العمرة أن يمضي في فاسدهما، وبه قال كافة أهل العلم، إلا داود، فإنه قال: (يخرج منه بالفساد).

دليلنا: قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة:196]، فأمر بإتمامهما، ولم يفرق بين الفاسد والصحيح.

ويجب عليه القضاء؛ لما روي عن عمر، وعليّ، وابن عمر، وابن عباس: أنهم قالوا: (يمضي في فاسده، ويقضي من قابل). اهـ.

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: أما إن جامع المحرم ناسيًا: فقال الحنفية، والمالكية، والحنابلة: هو كمن جامع عامدًا. اهـ.

وقال النووي في المجموع: إذا جامع المحرم قبل التحلل من العمرة، أو قبل التحلل الأول من الحج ناسيًا لإحرامه، أو جاهلًا تحريمه، ففيه قولان مشهوران، ذكرهما المصنف بدليلهما. (الأصح) الجديد: لا يفسد نسكه، ولا كفارة، (والقديم) فساده، ووجوب الكفارة. اهـ.

فتببن مما سبق؛ أن العمرة الفاسدة يجب إتمامها، ويُخرج منها بالتحلل.

ومن ثم؛ فيجوز النكاح لمن تحلل من عمرته الفاسدة بإكمالها؛ لأنه لم يعُد محرمًا بها.

وقضاءُ العمرة معناه: الإتيان بعمرة صحيحة بعد إكمال العمرة الفاسدة.

ويجب ذلك فورًا مع القدرة عند الجمهور، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب المالكية، والحنابلة، والشافعية في الأصح: إلى أن من أفسد نسكه بعد الإحرام به، وجب قضاؤه على الفور؛ لقول جمع من الصحابة من غير مخالف، بأن يأتي بالعمرة عقيب التحلل من النسك الفاسد، وبالحجّ في سنته إن أمكنه.

وعند الحنفية، وهو مقابل الأصح عند الشافعية: لا يجب القضاء على الفور. اهـ باختصار.

مع التنبيه على أن الشخص المحرم بحجّ, أو عمرة، يصحّ نكاحه عند الحنفية خلافًا لمذهب الجمهور، كما تقدم في الفتوى: 146083.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة