الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حج المَدِين

حج المَدِين

حج المَدِين

لقد اتسمت أحكام هذه الشريعة المباركة باليسر ورفع الحرج، كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يُشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه) رواه البخاري ، وكان من المسائل التي بحثها الفقهاء في باب الحج مسألة حج المَدِين ، و"المدين" هو كل من عليه حق مالي لغيره ، وقد ذكر الفقهاء العديد من الأحكام المتعلقة بهذه المسألة ، نتوقف فيما يلي عند أهمها.

نذكِّر بداية أن الحج فريضة على كل مسلم مستطيع، والاستطاعة تشمل القدرة المالية والقدرة البدنية ، والَمِدين الذي عليه دَيْن لغيره لا يجب عليه الحج ، لأنه كغير المالك للمال ، وبالتالي فهو غير مستطيع ، لأن قضاء ما وجب عليه من دَيْنٍ للعباد أوْلَىَ من أداء الحق الذي وجب عليه لله .

وبعد بيان ما تقدم نقول: إن على مريد الحج أن يؤديَ ما وجب عليه من دَيْنٍ للآخرين أولاً، سواء أكانت هذه الالتزامات حقوقاً لله، كالنذور والكفارات، أم كانت حقوقاً للآدميين، كالديون .

ومن المسائل التي ذكرها الفقهاء في هذا الصدد، أنه لوْ أذِن مَن كان له دَيْن للمَدِين بالحج قبل أن يستردَّ حقه منه، فلا عبرة بهذا الإذن، ويبقى الحج غير واجب في حق المدين، لأن المطلوب من المُكَلَّف أولاً إبراء ذمته من الدَيْن، فإذا لم يحصل هذا الإبراء فقد بقيت ذمته مشغولة بحق الغير . وهذا الحكم فيما إذا كان الدَيْن حالاً، أي غير مؤجل إلى أجل، وأما إذا كان الدين مؤجلاً كأن يكون أقرضه مبلغاً من المال على أن يرده إليه بعد عامين مثلاً ، وبعد مرور فترة قصيرة أصبح من عليه الدين قادراً على وفاء دينه ، ونوى وفاء ذلك الدين ، ففي هذه الحالة لا يكون الحج واجباً عليه إلا بعد أن يوفي دينه .

أما إن كان المَدِين لا ينوي قضاء ما عليه من دَيْن، وكان يَعلم من نفسه أنه سينفق ماله في أمور أخرى، ففي هذه الحال يكون الحج واجباً عليه، ولا يُعدُّ غير مستطيع، لامتلاكه النفقة اللازمة، وإن كان الأفضل والأولى في حقه ردُّ ما عليه من دين.

هذا فيما يتعلق بالمدين الذي شُغلت ذمته بحق للغير، أما غير المدين الذي يريد الحج فإن من شروط تحقق الاستطاعة أن يكون مالكاً لنفقة من يعول، من حين خروجه إلى وقت رجوعه، بما في ذلك نفقة نفسه، فإذا لم يكن مالكاً لذلك فالحج في حقه غير واجب ، لأنه غير مستطيع ، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت ) رواه أحمد و أبو داود ، و الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ، والواجب على من وجبت في حقه نفقة لغيره ، تأمين كل ما يحتاجونه خلال فترة حجه من غير إسراف ولا تقتير.

ولا يلزم من أراد الحج أن يبيع ما يملكه من حوائج أصلية ، كالمسكن والمركب والملبس أو آلات الحرفة التي يعمل بها ، لأن هذه الأمور من حاجات الإنسان الأساسية التي لا غنى له عنها ، فلا يكلف ببيعها لأداء فريضة الحج. ويدخل ضمن هذه الحاجات ، كتب العلم الشرعي أو غيرها مما يحتاج إليها طالب العلم ، فلا يكلف ببيعها للإنفاق على حجه.

وحاصل القول فيما تقدم ، أن الحج لا يجب إلا على من كان مالكاً لنفقة الحج ونفقة من وجبت عليه نفقته ، كالزوجة والأبناء والأبوين. أما من كان عليه حق مالي لغيره ، فالحج في حقه غير واجب ، إلى أن يقضيَ ما عليه من دَيْن. وفي هذا دليل على رحمة هذه الشريعة ويسرها ، وأنها لم تكلف العباد ما فيه حرج ومشقة خارجة عن قدرتهم المعتادة ، بل هي وسطٌ في أمرها ، وواقعية في أحكامها ، وصالحة لكل زمان ومكان ، وبذلك استحقت أن تكون للناس كافة ، وأن تكون هي الشريعة الخالدة والخاتمة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة