يسن عند الاحتضار مراعاة السنن الآتية :
1- تلقين المحتضَر "لا إله إلا الله" لما رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[ لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله ] ، وروى أبو داود - وصححه الحاكم - عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ] .
والتلقين إنما يكون في حالة ما إذا كان لا ينطق بلفظ الشهادة . فإن كان ينطق بها فلا معنى لتلقينه .
والتلقين إنما يكون في الحاضر العقل القادر على الكلام ، فإن شارد اللب لا يمكن تلقينه ، والعاجز عن الكلام يردد الشهادة في نفسه ، قال العلماء : وينبغي ألا يلح عليه في ذلك . ولا يقول له : قل لا إله إلا الله خشية أن يضجر ، فيتكلم بكلام غير لائق ؛ ولكن يقولها بحيث يُسمعه مُعرضاً له ، ليفطن له فيقولها .
وإذا أتى بالشهادة مرة لا يعاود التلقين ، ما لم يتكلم بعدها بكلام آخر ، فيعاد
التعريض له به ليكون آخر كلامه.
وجمهور العلماء على أن المحتضر يقتصر في تلقينه على لا إله إلا الله لظاهر الحديث ويرى جماعة أنه يلقن الشهادتين ؛ لأن المقصود تذكر التوحيد وهو يتوقف عليهما.
2- توجيهه إلى القبلة ، مضطجعاً على شقه الأيمن ، لما رواه البيهقي والحاكم وصححه عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه ؟ فقالوا : تُوفي ، وأوصى بثلث ماله لك ، وأن يوجه للقبلة لمّا احتُضر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ أصاب الفطرة ، وقد رددت ثلث ماله على ولده ] ، ثم ذهب فصلى عليه وقال: [ اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك وقد فعلت ] قال الحاكم : ولا أعلم في توجيه المحتضر إلى القبلة غيره.
وروى أحمد : أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها.
وهذه الصفة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم النائم أن ينام عليها ، والتي يكون عليها الميت في قبره . وفي رواية عن الشافعي : أن المحتضر يستلقي على قفاه، وقدماه إلى القبلة ، وترفع رأسه قليلاً ليصير وجهه إليها ، والأول الذي ذهب إليه الجمهور أولى .
3- قراءة سورة يس ، لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن مَعْقِل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ يس قلب القرآن ، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غُفر له وأقرؤوها على موتاكم ] .
قال ابن حبان : ( أراد بذلك مَن حضرته المنية ، لا أن الميت يقرأ عليه ، ويؤيد هذا المعنى ما رواه أحمد في مسنده عن صفوان قال : كانت المَشْيَخَة ( أي الشيوخ) يقولون: إذا قرئت "يس" عند الموت خُفف عنها بها ، وأسنده صاحب مسند الفردوس إلى أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هوّن الله عليه ].
4- تغميض عينيه إذا مات ، لما رواه مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة رضي الله عنهما ، وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : [ إن الروح إذا قبض تبعه القصر ] .
5- تسجيته صيانة له عن الانكشاف ، وستراً لصورته المتغيرة عن الأعين ، فعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سُجي ببُرْد حَبَرة ( يعني غُطي بثوب مخطط ) [ رواه البخاري ومسلم ].
ويجوز تقبيل الميت إجماعاً فقد قبّـل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثـمان بن مظعون وهو ميت ، وأكبّ أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته فقبّله بين عينيه وقال: ( يا نبيّاه ، يا صفيّاه ) .
6- المبادرة بتجهيزه متى تحقق موته ، فيسرع وليه بغسله ودفنه مخافة أن يتغير ، والصلاة عليه ، لما رواه أبو داود . عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال : [ إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فآذنوني به وعجلوا ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهرَيْ أهله ] .
ولا ينتظر به قدوم أحد إلا الولي : فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغير ، روى أحمد والترمذي عن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ، [ يا علي : ثلاث لا تؤخرها : الصلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت كفئاً ] .
7- قضاء دينه ، لما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ، وحسنّه ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ] أي إن أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا بهلاك ، أو محبوسة عن الجنة ، وهذا فيمن مات وترك مالاً يقضى منه دينه . أما من لا مال له ومات عازماً على القضاء ، فقد ثبت أن الله تعالى يقضي عنه ، ومثله من مات وله مال وكان محبَّاً للقضاء ، ولم يقض من ماله ورثته ، فعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ] ، وروى أحمد والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ يدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز وجل فيقول : يا ابن آدم : فيم أخذت هذا الدين ؟ وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول :
يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل، ولم أشرب ، ولم أضيّع ، ولكن أتى عليّ إما حَرَق ، وإما سَرَق ، وإما وضيعة ، فيقول الله: صدق عبدي ، وأنا أحق من قضى عنك ؛ فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه ، فترجح حسناته على سيئاته ، فيدخل الجنة بفضل رحمته ].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يمتنع عن الصلاة على المديون ، فلما فتح الله عليه البلاد ، وكثرت الأموال صلى على من مات مديوناً وقضى عنه ، وقال في حديث البخاري: [ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن مات وعليه دين ، ولم يترك وفاءً ، فعلينا قضاؤه ، ومن ترك مالاً فلورثته ]
وفي هذا ما يدل على أن من مات مديناً استحق أن يُقضى عنه من بيت مال المسلمين، ويؤخذ من سهم الغارمين "أحد مصارف الزكاة" وأن حقه لا يسقط بالموت.
- الكاتب:
الشيخ/ سيد سابق رحمه الله - التصنيف:
المقالات