الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المسلم.. بين الفقر والغنى

المسلم.. بين الفقر والغنى

المسلم.. بين الفقر والغنى

روى الترمذي عن أبي سعيد يرفعه: [فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة](هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه).

وروى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [اشتكى فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فضل الله به عليهم أغنياءهم. فقال: يا معشر الفقراء ألا أبشركم؟ إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام، ثم تلا الراوي: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47].

وروى البخاري عن أبي ذر قال: [كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة فاستقبلنا أحدٌ فقال: يا أبا ذر، قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً تمضي على ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئاً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا، عن يمين وعن شماله ومن خلفه، ثم مشى فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم].

وروى الترمذي عن عبد الله بن مغفل قال: [قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، والله إني لأحبك، قال: انظر ماذا تقول (ثلاثاً) قال: "إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافًا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه[[حسن غريب].

وروى البخاري عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء].

هذه الأحاديث وأشباهها إذا قرأها القارئ علم منها فضل الفقر وفضيلة الفقراء.

فهل الإسلام دعوة للفقر، وهل يدعو الإسلام أتباعه للافتقار؟.

نقول: لا.. ليس الإسلام دعوة للفقر والافتقار، وليس دعوة لترك المال وعدم الغنى؛ بل قد جاء في الآيات والأحاديث الكثيرة فضل الغنى والحث على النفقة في سبيل الله، والنفقة لا تكون إلا عن غنى، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:261]،
وقال: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[البقرة:265].
وقال أيضا: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[البقرة:274].

وبوب الإمام البخاري باب (فضل النفقة في سبيل الله)، وبوب الإمام مسلم (باب الحث على الإنفاق وكراهية الإحصاء)، وأيضا (باب أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن العليا هي المنفقة).
وهذا الباب الأخير نص حديث للنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: [اليد عليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله].

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا].

إذًا فالإسلام دعوة للغنى، وهو يطلب من أتباعه أن يكونوا أغنياء؟

ومرة أخرى أقول لك: لا ليس الإسلام دعوة للغنى، ولا يوجب على أتباعه أن يكونوا أغنياء.

إذًا فماذا يطلب الإسلام من أتباعه؟ وما هو المطلوب من المسلم أن يكون غنيًّا أو أن يكون فقيراً؟ وبم خوطب المكلف وطولب؟

الإجابة أن الشرع يطلب من المسلم أن يكون عاملاً بأوامر الله، ساعيًّا لتحصيل مرضاة الله، راضيًّا بما قسم الله، ثم لا يضره بعد ذلك أن يكون غنيًّا أو يكون فقيراً.

فليس الإسلام دين الغنى ولا هو دين الفقر، وإنما هو دين العمل لله، أن تكون عبدًا لله وحده لا لأحدٍ غيره، سواء كنت أغنى الناس أو كنت أفقر الخلق. المهم هو أن تقوم بحق الله عليك وبواجب الحال.

فهل الغني أفضل عند الله أم الفقير؟
وقد اختلف الناس في أيهما أفضل عند الله، الغني الشاكر أم الفقير الصابر، ـ إذا اعتبرنا القيام بحق العبودية، وواجب الحال من صبر أو شكر ـ وانتهى كلام السادة العلماء أن أفضلهما أتقاهما، وأقومهما بحق الله عليه في حاله.. فالفقير بالرضا والصبر وعدم التسخط، والتعفف وعدم التطلع والاستشراف إلى ما في أيدي الناس، والغني بشكر المنعم ببسط اليد بالنفقات في وجوه البر والخير، وبذل الإحسان والنفقة لمستحقيها.

فليس لأحدهما الأفضلية المطلقة وإنما كل بحسب حاله وقيامه بواجب الوقت، فلا ينبغي أن يفرح غني بغناه إلا إذا وفقه الله بالقيام بحق المال، من أخذ من حله، ووضع في حقه.. ولا ينبغي أن يحزن فقير لفقره طالما أن الله وهبه نعمة الصبر والرضا بقضاء الله.. وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير.. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

فأما اليتيم فلا تقهر

إن مظلة العدالة في الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار وتحفظ حقوقهم وتنظم علاقاتهم فلا يستذل فيها ضعيف لضعفه،...المزيد