(اليوربا) هي أكبر المجموعات العرقية في نيجيريا، ويمثلون نسبة (26%) من سكانها. يوجد حوالي ثلاثين (30) مليون يوروبي في غرب أفريقيا، غالبيتهم يعيشون في نيجيريا، والبقية متوزعون في بنين، وتوغو، وسيراليون، وكوبا، والبرازيل. في نيجيريا، يتواجد اليوروبيون غالباً في ولاية إكيتي، وولاية كوارة، وولاية لاغوس، وولاية أوغون، وولاية أوشون، وولاية أوندو، وولاية كوجي، وولاية إدو، وولاية أويو. دين أغلب اليوروبيين الإسلام، والباقي منهم يُدينون بالمسيحية، والأوريشا.
وكان من فضل الله على مسلمي بلاد اليوربا أن ألهم قدماءهم رشدهم، وهداهم على التمسك بكتابه المجيد، والاهتمام به أيَّما اهتمام؛ فأول ما يبدأ به الطفل قبل سن المدرسة تعلم قراءة القرآن الكريم في الكتاتيب، وكانت ثمة مدارس إسلامية لا يتخرج منها الطالب إلا وقد حصَّل شيئاً من العلوم الإسلامية، وفي مقدمتها تفسير القرآن باللغة المحلية.
ويبلغ نشاط تفسير القرآن الكريم، أو ترجمة معانيه على لغة اليوربا مشافهة ذروته في شهر رمضان؛ حيث تنتشر في كل مسجد تقريباً حِلَق التفسير والوعظ والإرشاد والقراءة والإقراء.
وهذه الترجمات الشفهية لمعاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا وإن كانت لا ترقى في كثير من الأحيان إلى مستوى الترجمة المكتوبة، إلا أنها تُعَدُّ الأساس الذي انطلقت منه الترجمات المكتوبة اللاحقة؛ إذ كان لها دور لا يستهان به في إيصال رسالة القرآن الكريم إلى الأميين، الذين ليس بإمكانهم الإفادة من الترجمات المكتوبة.
وأول ترجمة مكتوبة لمعاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا تعود إلى بداية القرن العشرين الميلادي، وتحديداً عام (1924م) والتي قام بإعدادها قسٌّ نصراني، يُدعى م. س كول (Rev. M.s Cole) وتولى نشرها وتوزيعها الجمعية التنصيرية متمثلة في مكتبتها بمدنية لاغوس عاصمة جمهورية نيجيريا الاتحادية.
ولا ريب، فإن الدافع وراء القيام بهذه الترجمة، ونشرها دافع تنصيري استعماري، تقف وراءه الهيئات التنصيرية العالمية، والهدف الأول والأخير منه تحريف كتاب الله تعالى، ومن ثم توظيف ذلك في تحويل المسلمين عن دينهم.
بعد صدور تلك الترجمة أخذ بعض المسلمين في بلاد اليوربا على عاتقهم مسؤولية تدوين الترجمات الشفوية لمعاني القرآن، التي ظلت هي الطريقة الوحيدة لإيصال ما يتضمنه كتاب الله من معان جليلة إلى هؤلاء الذين لا يستطيعون قراءته، أو لا يقدرون على فهم معانيه باللغة العربية، وهم الغالبية العظمى من الشعب اليورباوي، فصدرت أول ترجمة مطبوعة لمعاني القرآن الكريم بهذه اللغة عام (1393هـ-1973م). وإثر صدور هذه الترجمة توالت الجهود الفردية، والجماعية في نشر ترجمات يورباوية لمعاني القرآن الكريم كاملة، أو لأجزاء منه.
وبلغ عدد الترجمات إلى لغة اليوربا عشر ترجمات، هي كالتالي:
1- ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا (1393هـ-1973م) وهي التي تقدم ذكرها. وقد تم طبع هذه الترجمة في دار العربية ببيروت على نفقة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله، وبإشراف مباشر من رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. وقد طبعت معها نصوص القرآن الكريم بالعربية، تقع هذه الترجمة في (568) صفحة من الحجم الكبير. وقد طُبعت هذه الترجمة مرة ثانية بعد نفاد الطبعة الأولى سنة (1397هـ-1977م).
2- القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى لغة اليوربا. هذه الترجمة هي إعادة للترجمة السابقة بعد تدقيقها، وتصحيحها، وتقويمها، وأشرف على هذه الترجمة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وصدرت الطبعة الأولى من هذه الترجمة عام (1418هـ-1998م) وتقع هذه الترجمة في (909) صفحة من الحجم المتوسط.
3- ترجمة قام بها البروفيسور ياسر أنجلا عبد القادر، صدرت طبعتها الأولى عام (1417هـ1997م) وطُبعت في دار نشر محلية (دار شيبوتيما للنشر) بمدينة إجيبو أودي النيجيرية. ويُحمد للمترجم عمله هذا، الذي يُعَدُّ سابقة نوعية، كونه أستاذاً جامعياً يهتم بترجمة القرآن الكريم إلى لغة اليوربا. وقد طُبعت هذه الترجمة ومعها نصوص القرآن الكريم بالعربية.
4- ترجمة قام بوضعها ونشرها الفرقة القاديانية، المعروفة في نيجريا بـ (الجماعة الأحمدية) صدرت الطبعة الأولى من هذه الترجمة عام (1976م) وصدرت الطبعة الثانية عام (1978م) والثالثة عام (1990م) وهذه الطبعة الأخيرة تقع في (736) صفحة، وقام بنشر هذه الطبعات الثلاث دار الإسلام العالمية المحدودة للنشر بكل من باكستان والمملكة المتحدة. ويُرجع بعض الباحثين أن تكون الترجمة القاديانية لمعاني القرآن لكريم إلى لغة اليوربا قد اعتمدت اعتماداً كبيراً على الترجمة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم للفرقة نفسها.
هذا، ومن أهداف هذه الفرقة في نشر هذه الترجمة: الدعوة إلى نحلتها، والترويج لمعتقداتها الباطلة بين المسلمين الناطقين بهذه اللغة. وأخطر ما أقدم عليه القائمون على هذه الترجمة هو تحريفهم لبعض النصوص القرآنية؛ كي توافق هواهم، ومعتقداتهم الباطلة، كما فعلوا بقوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (الأحزاب:40) حيث ترجموا قوله تعالى: {خاتم النبيين} بـ (خَتْم) أو (طابع النبيين) متجنبين اللفظ القرآني، الدال بصراحة على انقطاع الوحي، واختتام النبوة والرسالة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لتسويغ اعتقادهم بنبوة مؤسس نحلتهم (غلام أحمد القادياني) المتنبئ الكذاب.
على أن هذه الجماعة سبق لها وأصدرت ترجمة لمعاني جزء من القرآن الكريم بلغة اليوربا سنة (1957م) استجابة لنداء وجَّهه خليفة المتنبئ الكذاب غلام أحمد بشير الدين محمود أحمد عام (1934م) بضرورة القيام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف لغات العالم.
5- خمسة أحزاب من القرآن الكريم مع ترجمة معانيها بقلم الحاج ك. أدي بللو. هذه الترجمة مؤلفة من أربعة أجزاء، في كل جزء خمسة أحزاب، ومجموع ما قام بترجمة معانيه إلى اليوربا عشرون حزباً، أي عشرة أجزاء. لم يذكر المترجم تاريخ كتابة هذه الترجمة، ولا رغبته في إتمام عمله، وقام بنشر هذه الأجزاء المترجمة مكتبة تجارية بمدينة إبادن النيجيرية، وتقع هذه الترجمة في (81) صفحة من الحجم الصغير.
6- القرآن العظيم: ثلاثة أحزاب مع الترجمة، بقلم الحاج عبد العزيز لا حول. هذه الترجمة محاولة في نقل معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا، ولا تتوفرأي معلومات عن تاريخ ترجمتها أو نشرها، واسم الدار الناشرة لها دار (أزلاو) الإسلامية للنشر بمدينة إلورن النيجيرية، وتقع في (54) صفحة من الحجم المتوسط. وهذا الترجمة والتي قبلها مباشرة من الترجمات التي انفرد بوضعها شخص واحد، لم تخضع لأي مراجعة أو تقويم من قبل آخرين، كما أن كلاً منهما قد خلا من النص العربي للقرآن الكريم، بل اكتفى المترجمان بوضع الترجمات الصوتية محل النصوص القرآنية. وهذه الخطوة وإن حاول المترجمان تسويغها بالحاجة لمساعدة أولئك الذين لا يستطيعون قراءة النص العربي، إلا أنها محاولة خاطئة وخطيرة.
7- ترجمة معاني حزب واحد من القرآن الكريم، بقلم صالح باميديلي، والناشر دار البلاغ بلاغوس جنوب نيجيريا. وقد ضمت هذه الترجمة كسابقتيْها الترجمات الصوتية لنصوص القرآن الكريم، إلا أنها تختلف عنهما حيث إنها لم تترك النص العربي أيضاً. تقع هذه الترجمة في (41) صفحة من الحجم الصغير.
8- ترجمة الحاج عبد السلام بولاجي الذي كان داعية، مشهوراً بطول باعه في مناظرة النصارى وبيان بطلان عقائدهم.
9- ترجمة قام بها أحد علماء بلاد اليوربا المتقدمين، يُعرف بالشيخ كوتا (Alfa Kuta).
10- الترجمة النصرانية التي قام بها القس م. س كول عام (1942م). وهذه الترجمة مأخوذة ابتداء عن الترجمة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم، والتي كانت في الحقيقة لغة المصدر بالنسبة لهذا المترجم، الذي لا علم عنده باللغة العربية، ولا بشيء من العلوم الإسلامية.
تقويم هذه الترجمات
امتاز مترجمو معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا بكونهم إنما ترجموا إلى لغتهم الأم، وهذه من أقوى المزايا الإيجابية، التي تراعى في عملية النقل من لغة إلى أخرى. بيد أن هذه المزية قد تتحول إلى عيب، حين تكون عُدَّة المترجم الوحيدة كون اللغة المترجم إليها لغته الأم فحسب؛ ومن هنا يرى بعض الباحثين أن أغلب مترجمي معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا قد عدُّوا عملية الترجمة حرفة أكثر منها علماً له ضوابط محددة، وقواعد معينة، وهم لا يُعدَّون من أهل العلم بلغة اليوربا بوصفها علماً، فغاية ما في الأمر أنهم استفادوا من كون اللغة هي لغتهم الأم. كما أن جميع هؤلاء المترجمين على قدر معين من المعرفة باللغة العربية وبمواردها، وإن كانوا على درجات متفاوتة في هذه المعرفة.
ومن غير المستبعد أن يكون مترجمون، أو مقومون، أو مراجعون آخرون قد اعتمدوا كذلك، بشكل أو بآخر، على الترجمات الإنجليزية المختلفة لمعاني القرآن الكريم؛ نظراً لضعف قدرتهم -نسبيًّا- في الرجوع إلى المصادر العربية والاستفادة منها.
ويُلْحظ على هذه الترجمات جميعها التقيد بالنص المترجم، وترجمته جملة بجملة، مع إعادة صياغة لها، كي تتناسب مع التركيب النحوي، أو الصرفي للغة المترجم إليها. وجميع هذه الترجمات تُعَدُّ ترجمات للمعاني لا تفاسير، وأنها تضم النصوص الأصلية المترجمة إلى جانب الترجمة باللغة اليورباوية. ونصوص القرآن في جميعها مكتوبة باللغة العربية إلا في ترجمتي الحاج ك. أدي بللو، والحاج عبد العزيز لا حول، حيث اكتفيا بكتابتها بالحروف اللاتينية. كما أن جميعها سعى إلى نقل معاني الألفاظ المترجمة صورة أقرب ما يكون لفهم المتلقي، أو القارئ للترجمة في لغته وثقافته، وذلك بصرف النظر عن أسلوب اللغة المترجم منها.
الامتيازات والمآخذ
- وقوع جملة من الأخطاء الشرعية في بعض هذه الترجمات.
- التأثر بمصطلحات أهل الكتاب في كتبهم، كتسمية القرآن الكريم بـ (الكتاب المقدس).
- وقوع أخطاء لغوية وفنية.
ومما امتاز به بعض هذه الترجمات تصديرها بمقدمة علمية لبيان بعض فضائل القرآن الكريم، وضرورة أن يهتم المسلمون بقراءته، وحفظه، والتنبه لمكيدة أعدائهم في محاولة صرفهم عنه، والتنبيه على بعض الأخطاء الشائعة في الألفاظ أو المفاهيم. وفي هذا الجانب امتاز كل من ترجمة البرفسور عبد القادر، وترجمة رابطة العالم الإسلامي. وقد خضعت كل من ترجمة رابطة العالم الإسلامي، وترجمة مجمع الملك فهد لمراجعة علمية دقيقة من قبل لجان متخصصة.
ومن دواعي الحزن والأسف أن بعض هذه الترجمات اليورباوية قام بوضعها نصراني مشرك بالله، وبعضها من وضع مجموعة من أتباع متنبئ كذاب، وبعض هؤلاء المترجمين ظاهرهم السلامة، ولكن باطنهم ينطوي على اتجاهات بدعية منحرفة.
* مادة هذا المقال مستفادة من بحث بعنوان (تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة اليوربا) د. عبد الرزاق عبد المجيد ألارو.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
ترجمة القرآن الكريم