الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية العلم بأسماء الله وصفاته

أهمية العلم بأسماء الله وصفاته

 أهمية العلم بأسماء الله وصفاته

العلم بأسماء الله الحسنى أجل العلوم وأشرفها، لأن به يعرف الناس ربهم وخالقهم، خالق السماوات والأرض، ويتبع ذلك عبادته، ومحبته، وخشيته، وتعظيمه سبحانه وتعالى، ثم إن شرف العلم يكون من شرف المعلوم، ولما كان المعلوم من تعلم أسماء الله الحسنى هو الله جلا وعلا وتوحيده سبحانه وتعالى؛ كان شرف تعلم أسماء الله تعالى عظيمًا.

وقد كان من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل توحيده مستقرًا في النفوس والعقول؛ ما لم يطرأ على تلك النفوس ما يحرفها عن هذه الفطرة التي فطرها الله تعالى عليها. قال الله تعالى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه...» رواه البخاري. ولكن لما كانت هذه المعرفة بالله تعالى التي جُبل الناس عليها معرفةً إجمالية لا تفي بمعرفة الله تعالى حق المعرفة، ولا بمعرفة تفاصيل أسمائه وصفاته؛ أرسل الله تعالى الرسل ليعرفوا الناس بربهم وبأسمائه وصفاته، وبأحكام دينهم، وبالغاية من خلقهم، وبما هم صائرون إليه.
وكان أول واجب دلَّ الرسل أتباعهم لتعلمه هو توحيد الله تعالى، من خلال تعريف الناس بأسماء الله وصفاته المستوجبة لتوحيده، يقول ابن القيم في ذلك: "ولا ريب أنَّ أجل معلومٍ وأعظمَه وأكبَره فهو الله الذي لا إله إلا هو، ربُّ العالمين، وقيومُ السموات والأرضين، الملكُ الحقُّ المبين، الموصوفُ بالكمال كلِّه، المنزَّه عن كلِّ عيبٍ ونقص، وعن كلِّ تمثيلٍ وتشبيهٍ في كماله. ولا ريب أنَّ العلمَ به وبأسمائه وصفاته وأفعاله؛ أجلُّ العلوم وأفضلُها، ونسبتُه إلى سائر العلوم كنسبة معلومه إلى سائر المعلومات".
وتظهر أهمية العلم بأسماء الله الحسنى والعناية به من خلال عدة أمور ينبغي على المكلف الانتباه لها ومنها:
1. أن العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته أصل العلوم وأساس الإيمان، وإذا عرف العبدُ ربَّه عَبَدَهُ حقَّ العبادة. يقول الأصبهاني: "قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله تعالى على خلقه معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته". قال: "ولو أراد إنسان أن يتزوج أو يزوِّج أو يعامل إنسانا؛ طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا ونحن نرجوا رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها ".
2. أن الغاية التي ينشدها المسلم هي الفوز بنعيم الآخرة والتمتع بلذة النظر إلى وجه الله تعالى، وذلك لا ينال إلا بتوفيق الله تعالى العبد للعمل الصالح، ولا يكون العمل صالحًا إلا إن كان قائمًا على العلم، والعلم الذي يوصل العبد لمراده الأخروي هو العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته لأنه يحقق له الخشية التي قال فيها عبد الله بن مسعود: "كفى بخشية الله علمًا". ويقول السعدي: "معرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها. ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وهذه الأنواع هي رُوح الإيمان ورَوْحه، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه، وقوي يقينه، فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات".
3. العالم بالله تعالى حقيقة يستدل بما علم من أسماء الله تعالى وصفاته على أفعاله سبحانه وما يشرعه من الأحكام، وأفعاله سبحانه دائرة بين العدل والفضل والحكمة، ولا يشرع من الأحكام إلا حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وعدله وفضله سبحانه وتعالى، وهذا علم أعظم من أن يُنبه إليه.
4. التلازم الوثيق بين صفات الله تعالى وما تقتضيه من العبادات الظاهرة والباطنة، فلكل صفة عبادة خاصة هي من مقتضاها، وفي ذلك يقول ابن القيم: "فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني: من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح: فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة؛ يثمر له عبودية التوكل عليه باطنا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا. وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى...، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات".
5. للعلم بأسماء الله الحسنى وصفاته ثمرات طيبة في الموقف من الفتن والمصائب والمكروهات التي تصيب العبد، فالعبد إذا علم أن الله تعالى حكيم لا يفعل شيئًا عبثًا، وأنه عدل لا يظلم أحدًا، وأنه رحيم بعباده يبتليهم ليغفر لهم؛ إذا علم العبد ذلك كله رضي وصبر على المكروه والمصاب الذي ينزل به، واطمأن قلبه وفوض أمره لربه سبحانه.
قال العز بن عبد السلام: "فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها، من الخوف والرجاء، والمهابة والمحبة والتوكل وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات".
وأهمية العلم بأسماء الله وصفاته كبيرة، وفوائده وثمراته كثيرة جدًا اكتفينا منه بما ذكرناها في هذا المقال.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة