أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الزاهد المشهور؛ جمع بين العلم والعمل، كانت حياته حياة الزهد في ضوء القرآن والسنة؛ وترفع عن الملذات والزهد في المباحات وترف الحياة، والإقبال على العبادة والذكر.
وصف بأنه شيخ مذهب التصوف السني المعتدل لأنه ضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة بعيداً من العقائد الذميمة، متين الأساس بعيداً عن الغلوّ من كل ما يوجب اعتراض الشرع على كلامه، يقول الجنيد في ذلك: «طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة، ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيّد بالكتاب والسنة».
كان الجنيد حائط صد كبير ضد شطحات وسكرات غلاة المتصوفة، وقد ساعده ما درسه من فقه وحديث وسائر علوم الآلة العلمية في النجاة من التطرف الذي استشرى في تلك الآونة.
كان الناس يتوافدون عليه ينهلون من علمه، وأدبه، وفصاحته، وفتاواه، قال أحد معاصريه: ما رأت عيناي مثله، الكتبة يحضرون مجلسه لألفاظه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه.
نشأته
اسمه: الجنيد بن محمد بن الجنيد، أبو القاسم الخزاز، ويقال: القواريري.
وقيل: كان أبوه قواريريا، يبيع الزجاج وكان هو خزازا يبيع الخز أي الثياب.
عاش الإمام الجنيد في القرن الثالث الهجري، حيث ولد ببغداد بعد سنة 220هـ، وأصله من نهاوند، ومولده ونشأته ببغداد، وسمع بها الحديث، ولقي العلماء، وصحب جَمَاعةً من الصَّالحين.
تفقه على أبي ثور من أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله، وكان يفتي بحضرته وهو في العشرين من عمره، فذاعت شهرته في مختلف الأوساط العلمية ببغداد، سمع الحديث من الحسن بن عرفة وغيره، ثم لازم خاله السري السقطي والحارث بن أسد المحاسبي وأبي حمزة البغدادي.
ومن تلامذته: أبو بكر الشبلي، وجعفر الخلدي، وأبو محمد الجريري وغيرهم.
يقول أبو نعيم: «كان في أول أمره يتفقه على مذهب أصحاب الحديث مثل أبى عبيد وأبى ثور»، وقال الخطيب: «وأسند الحديث عن الحسن بن عرفة، ثم أقبل على شأنه وتعبد وصحب الحارث المحاسبي، وأبا حمزة البغدادي فسلك مسلكهما في التحقيق بالعلم واستعماله».
من كلام العلماء عن الجنيد
قال ابن تيمية عنه: "الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة إمام هدى ومن أحسنهم تعليما وتأديبا وتقويما"
ويقول عنه: الجنيد من شيوخ أهل المعرفة المتبعين للكتاب والسنة.
قال الحافظ بن كثير عنه" ولازم التعبد، ففتح الله عليه بسبب ذلك علوماً كثيرة، وتكلم على طريقة الصوفية، وكان ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة، وثلاثين ألف تسبيحة.
...، ففتح عليه من العلم النافع والعمل الصالح بأمور لم تحصل لغيره في زمانه، وكان يعرف سائر فنون العلم، وإذا أخذ فيها لم يكن له فيها وقفة ولا كبوة، حتى كان يقول في المسألة الواحدة وجوهاً كثيرة لم تخطر للعلماء ببال".
من جميل كلامه
- الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه.
- جماع الخير كلّه في ثلاثة أشياء:
- إن لم تمضِ نهارك بما هو لك فلا تُمضه بما هو عليك.
- وإن لم تصحب الأخيار فلا تصحب الأشرار.
- وإن لم تنفق مالكَ فيما لله فيه رضا فلا تنفقه فيما لله فيه سخط.
- علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه.
- من طلب عزاً بباطل أورثه الله ذلا بحق.
- الأدب أدبان: أدب السر، وأدب العلانية، فالأول طهارة القلب من العيوب، والعلانية حفظ الجوارح من الذنوب.
- قيل له: بعض الناس يتركون الصلاة بحجة أنهم وصلوا الى الله؟ فقال لهم: هم وصلوا فعلا لكن إلى "سقر".
- مَنْ فتح على نفسه باب نيَّة حسنة فتح الله عليه سبعين بابًا من التوفيق، ومَنْ فتح على نفسه بابَ نيَّةٍ سيئة فتح الله عليه سبعين بابًا من الخُذْلان من حيثُ لا يشعر.
- الحكايات جُندٌ من جنود الله تعالى، يقوِّي بها قلوبَ المريدين، قيل له: فما الشاهد؟ قال: قوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ ما نثبت به فؤادك} الآية [120: هود].
- قَالَ الشبلي يَوْمًا بَين يَدَيْهِ "لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه" فقال له قَوْلك ذَا ضيق صدر وَهُوَ ترك للرضا بِالْقضَاءِ، وَالرِّضَا رفع الِاخْتِيَار.
- إِن الله يخلص إِلَى الْقُلُوب من بره حسب مَا خلصت الْقُلُوب بِهِ إِلَيْهِ من ذكره فَانْظُر مَاذَا خالط قَلْبك.
وفاته
وكانت وفاته في شوال، آخر ساعة من يوم الجمعة، سنة ثمان وتسعين ومائتين ببغداد.
ظل الجنيد حتى قبيل وفاته يصلي ويقرأ القرآن، ويرد على من ينصحه بأن يرفق بنفسه ويقول لهم «طريق وصلت به إلى الله لا أقطعه» وظل يقرأ حتى مات بعد أن ختم القرآن، ثم ابتدأ في البقرة فقرأ سبعين آية ".
وقد حضر جنازته خلق كثير قدر بنحو ستين ألفاً، وصلي عليه ولده، ودفن بالشونيزية، وهي مقبرة مشهورة ببغداد بها قبور جماعة من المشايخ والعلماء، منهم خاله سري السقطي.