الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشيخ أبو إسحاق الحويني..في ذمة الله

الشيخ أبو إسحاق الحويني..في ذمة الله

الشيخ أبو إسحاق الحويني..في ذمة الله

فقدت الأمة الإسلامية يوم الاثنين السابع عشر من رمضان1447هـ، علما من أعلامها، وداعية كبيرا من دعاتها، ذاك هو الشيخ أبو إسحاق الحويني عليه رحمة الله تعالى.

من هو الحويني؟
الشيخ أبو إسحاق هو داعية سني مصري، اسمه: "حجازي بن محمد يوسف شريف"، سماه والده: "حجازي" بعد عودته من بلاد الحجاز بعد أداء فريضة الحج تيمنا، ولم يشتهر باسمه وإنما اشتَهَر بكنيته أبي إسحاقَ، وهي كنية الإمام الشاطبي صاحب الموافقات، اختارها الشيخ لشدة محبته له ولتأثره الكبير بكتبه.

نشأته وتحصيله
ولد الشيخ أبو إسحاق يوم الأحد غُرَّة ذي القعدة عام 1375هـ، الموافق 10 يونيو 1956م، في بلدته حوين، وهي قرية من قرى محافظة كفر الشيخ بريف مصر وإليها ينسب "الحويني".

نشأ الشيخ في أسرة متوسطة في بيت فضل وصلاح، وكان له سبعة إخوة ذكور، وسبع أخوات، وهم إخوة لعلات.
تنقل في بلدته في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي.. ثم انتقل إلى القاهرة ليتم دراسته الجامعية بجامعة عين شمس، حيث التحق فيها بكلية الألسن قسم اللغة الإسبانية. وتخرج فيها بتقدير امتياز، وكان من أوائل دفعته، وحصل على بعثة دراسية لاستكمال تعليمه في إسبانيا، لكنه كره المعيشة هناك لكثرة المخالفات، فرجع إلى مصر بعد وقت قصير.

طلبه للعلم
كان الحويني منذ صغره محبا للغة العربية ومغرما بالأدب، وكان يقرأ كتب الأدب وقصصه للمنفلوطي، والرافعي، والعقاد، والحكيم، ومحمود شاكر الذي تأثر به جدا.
كما كان محبا للشعر، ذواقة، قرأ أشعار شوقي وحافظ إبراهيم، وعلى الجارم، ومحمود إسماعيل، وتأثر كثيرا بالبارودي، وكان يسميه متنبي زمانه.
وقد كان لهذا الحب للعربية أثره البالغ في أسلوب الشيخ المميز، وطريقته الجميلة المحببة للنفوس، وأسلوبه الجذل، وكلامه الرصين، مع استعمال مخزونه الأدبي في خدمة محاضراته ودروسه ودعوته.

وأما بدايته العلمية الشرعية والدعوية فبدأت أيام دراسته في القاهرة، حيث كان يحضر خطب ومحاضرات الشيخ الشهير عبد الحميد كشك رحمه الله، ولحادثة طريفة وقعت بينه وبين الشيخ كشك توجه الشيخ للبحث في علم الحديث، وكانت هذه بدايته مع هذا العلم الشريف وبداية علاقته بكتب الشيخ الألباني رحمه الله، حيث كانت بدايته مع كتاب "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم السلسلة الضعيفة والتي وضعت قدمه على أول هذا الطريق، حيث أحب الشيخ هذا الفن من العلوم.

وقد أغرم الحويني بالشيخ الألباني وكتبه، فأقبل عليها وعكف عليها قراءة ودراسة وتتلمذ عليها في بداياته في طلب العلم، وكان لقراءته لها أثرٌ كبير في نفسه، ودافع له إلى المزيد من القراءة في علم الحديث والتخصص فيه، حتى قال هو: إن دراسته لكتاب السلسلة الضعيفة كانت أعظمَ فائدةً من كل سِني التحصيل العلمي الأُخرى.

شيوخه
تلقَّى الشيخ العلم على كثير من العلماء ممَّن لقيهم في مصر وغيرها من البلدان، في رحلاته الدعوية ولأداء المناسك.. ومن شيوخه:
. الشيخ عبد الحي زيَّان: وهو خاله، وكان متقنا للقراءات.. فأخذ عنه القرآن والقراءات.
. عبد الفتاح الجزَّار، أخذ عنه اللغة العربية، وكان الحويني يُجِلُّه جدا ويُثني عليه كثيرًا.
. الشيخ الجليل محمد نجيب المُطيعي، أخذ عنه أصول الفقه، وأصول علم الحديث، ودرس عليه ما تيسَّر من «صحيح البخاري»، و«المجموع للنووي» في الفقه الشافعي، و«الأشباه والنظائر» للسُّيوطي، و«إحياء علوم الدين» للغزالي، وقد لازمه الحويني أربع سنوات، حتى فر الشيخ المطيعي من مصر لظروف سياسية إلى السودان، ثم إلى السعودية وبها مات المطيعي، وقد امتدحه الشيخ الحويني شيخه المطيعي كثيرا.

. كما جلس الشيخ في الجامع الأزهر لجماعة من أساتذة العلوم الشرعية المختلفة، وكان منهم الدكتور موسى شاهين لاشين والذي كان رئيسًا لقسم الحديث، في كلية أصول الدين، جامعة الأزهر آنذاك.
والتقى الشيخ بنخبةٍ من أكابر علماء أهل السنة، وحضر مجالس لهم، وتعلَّم منهم، وتتلمذ عليهم، وتأثر بهم في العقيدة، والفقه وأصوله؛ منهم:
. الشيخ عبد العزيز بن باز، حضر دروسه بالجامع الكبير والمسجد الذي كان بجوار بيته بمدينة جُدَّة.
. الشيخ محمد بن صالح العثيمين، حضر دروسه بالمسجد الحرام.
. الشيخ عبد الله بن قعود، حضر عنده شرح كتاب «البرهان في أصول الفقه» لإمام الحرمين الجُوَيني، وكان القارئ يومئذٍ الشيخ صالح آل الشيخ.

الحويني والألباني
أما أجلُّ شيوخ الحويني فهو محدث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهو أقرب مشايخه إلى قلبه، وقد تَلْمَذ على يده وتأثَّر بكتبه وتحقيقاته الحديثية.
وكانت له رحلتان مشهورتان إلى الأردن للقاء الشيخ ناصر الدين، الأولى في شهر المحرَّم سنة 1407هـ، والثانية في شهر ذي الحِجَّة سنة 1410هـ. وفيهما ألقى عشرات المسائل على الشيخ الألباني، في علوم الحديث والجرح والتعديل وغيره، وقد ذكر أنه سأل الألباني قرابة مئتي سؤال في علل الحديث فقط. وكانت له مع الألباني سؤالات أُخرى في علوم الشريعة، وبعض الأسئلة التي تتعلق بالواقع السياسي والدعوي وغيرها، وقد نشرت في وقتها في عدة شرائط كاسيت تحت عنوان "سؤالات الحويني للألباني".

مؤلفاته ومشاريعه العلمية
كانت همة الشيخ عالية، وكان يراعه رائقا، وقلمه سيالا متأنقا، وقد أكثر من التأليف والتحقيق، فطبع له أكثر من ثلاثين مؤلفا، وله مشاريع مات عنها ولم تطبع.. فمن مؤلفاته رحمه الله:
1- غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود.
2 - بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن.
3 ـ فصل الخطاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب، لأبي حفص الموصلي الحنفي.
4 - الأربعون في ردع المجرم عن سب المسلم. للحافظ ابن حجر.
5- الانشراح في آداب النكاح.
6 - خصائص أمير المؤمنين على بن أبي طالب -رضي الله عنه-، للنسائي
7 - النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة.
8- البعث، لعبد الله بن أبي داود.
9- الأربعون الصغرى، للبيهقي.
10- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير.

جهوده في الدعوة ونشر العلم
انشغل الشيخ رحمه الله بالدعوة عمره كله، فظل أكثر من أربعين عاما يتنقل بين مدن وقرى مصر يخطب ويحاضر في مساجدها، ويتعاون مع إخوانه الدعاة في نشر السنة وقمع البدعة، والرد على الأفكار والمذاهب الهدامة.. كما سافر إلى العديد من دول العالم العربي وبعض الدول الغربية داعيا إلى الله ومعلما.

وقد ترك الشيخ إرثا كبيرا من الخطب والسلاسل والمحاضرات المسجلة في مختلف المساجد وقاعات الدرس داخل مصر وخارجها.
كما كان للشيخ مشاركات دعوية نافعة من خلال بعض القنوات الفضائية، وكان من هذه البرامج:
فاسمع إذًا، حرس الحدود، وزهر الفردوس، ومدرسة الحياة، ومنتدى الحكمة، الخيمة الرمضانية، وأولئك آبائي، فضفضة، أندى العالمين، الغواص، أصداف اللؤلؤ.

وفاته
ابتلي الشيخ بقائمة من الأمراض فأصيب بالكبد، والكلى، والسكر الذي أدى إلى قطع إحدى قدميه، مع صبر جميل وحسن ظن بالله ورضا تام بقضاء الله. ومع ذلك لم يتوقف عن الدعوة حتى لقي ربه في النهاية راضيا محتسبا يوم 17 رمضان 1447هـ. وودعته الأمة والمشيعون في جنازة مهيبة، فغفر الله له وأسكنه فسيح جناته.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

اقرأ في إسلام ويب

الشيخ أبو إسحاق الحويني..في ذمة الله

فقدت الأمة الإسلامية يوم الاثنين السابع عشر من رمضان1447هـ، علما من أعلامها، وداعية كبيرا من دعاتها، ذاك هو الشيخ...المزيد