الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقبلة على الزواج وأريد أن أمحو الخجل وعدم الثقة من حياتي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة، عمري 20 سنة، أدرس في الجامعة، عشت طفولتي بشكلٍ طبيعي، وكذلك فترة المراهقة، كنت خجولة نوعاً ما، لكنه كان خجلاً عادياً لا يؤثر على حياتي، وكنت خفيفة الدم، ودائماً ما أضحك صديقاتي، ويحبون حديثي، وكنت متفوقة دراسياً، إلى أن وصلت للمرحلة الثانوية، ففي نهاية العام الأول كنت أتحدث مع إحدى صديقاتي، فعرضتني لموقف محرج احمر وجهي بسسببه، وتلعثمت، وتسبب لدي بحالة خوف وخجل لا أعلم سببها.

عندما انتهت المدرسة، وبدأت إجازة الصيف تغيرت شخصيتي حتى مع أهلي؛ فأصبحت خجولة، وأنعزل اجتماعات الأسرة، مع أن أسرتي أصلاً ينطبع عليها جانب الخجل، وقلت ثقتي بنفسي كثيراً، وانتهت إجازة الصيف، وأقبلت المدرسة، وكنت أحس بخوفٍ غريب لا أعلم سببه! وكأنني مقبلة على شيء مخيف، لم أكن أعلم لم أنا خائفة!؟ وفي أول يوم ذهبت فيه للمدرسة كنت أحس بخوف، وضربات قلب قوية، ورعشة، ووجدت صديقات الدراسة، ولكنني لست كالعادة، كنت دائماً مبتسمة وأضحك، وكان شيئاً طبيعياً أن أرى زميلات الدراسة بعد الإجازة، لكن هذه المرة كنت خجلة منهن، ويحمر وجهي، وأرتعش، كنت وقتها في بداية الصف الثاني ثانوي، دخلت قسم الأدبي كما كنت أحلم طول عمري؛ لأنني أكره الرياضيات، دخلت الصف، وجلست، وكلما مر أحد قال: لا أصدق أنك دخلت القسم الأدبي؛ فأنت متفوقة، مما جعلني أخجل، بعدها غيرت مساري، ودخلت العلمي مع صديقاتي؛ ظناً مني أني سأكون بأمان معهم، لكن الحالة استمرت، وتدنى مستواي الدراسي، وحصلت على نسبةٍ ضعيفة، وكنت أتعرض لمواقف بسيطة، أتعرض للخجل، والجميع يلاحظ ذلك، وأتعذر بأي شيء كمرض مثلاً، أو أني أقوم بسرعة؛ حتى لا يلحظ أحدٌ ذلك، وألملم الموقف.

في الصف الثالث الثانوي لم يتغير الحال؛ فقد سرت على نفس المنوال، أدمنت الجلوس على النت والدخول للدردشة، وكأنني أجد عالمي، حيث أتحدث كما أريد، ولا يرى أحد ملامح وجهي، وكنت سعيدة، لكن انخفض مستواي الدراسي إلى آخر حد، فاضطررت لترك المدرسة، ووبخني الجميع، خصوصاً أمي، وجلست في المنزل، وتحسنت حالتي قليلاً، ثم رجعت للمدرسة، وكنت خائفة؛ لأنني لا أعرف أحداً، واستمررت أسبوعاً، لكن بعد ذلك وجدت صديقات يحبوني جداً، وكنت أتحدث معهن، صحيحٌ أنني دائماً كنت لا أستطيع أن أكمل حديثي إذا توجهت لي الأنظار، ويحمر وجهي، وأحاول إنهاء الموضوع بسرعة، لكنني كنت أفضل من قبل، كنت مجتهدة قليلاً، وحصلت على نسبة، وتخرجت، ودخلت الجامعة في أفضل قسم، وتعرفت على صديقات، وهناك أصبحت أفضل وأفضل، حتى إنني خرجت وشرحت درسين، لكني ما زلت أخجل، ويحمر وجهي، وكنت أقاوم، وأنهيت ترماً واحداً، لكنني الآن مقبلة على زواج، وأريد أن أمحو الخجل والخوف وعدم الثقة من حياتي؛ لأنني أتردد كثيراً في اتخاذ قراراتي، وأخاف من كلام الناس كثيراً، وأخاف من الرجال، وإلى الآن لا أعرف هل أنا على الطريق الصحيح في خيار الزواج، أم أنني لا أستطيع تحمل مسؤولية مثل ذلك؟

أعلم أن رسالتي طويلة، لكنني أريد جواباً شافياً، لذلك كتبت التفاصيل، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على الكتابة إلينا، والتواصل معنا.

يبدو من خلال سؤالك بأن هناك على الأقل ثلاث قضايا:
1- ضعف الثقة بالنفس.
2- الرهاب الاجتماعي.
3- زيادة استعمال النت -ربما الإدمان-.

أما موضوع الثقة بالنفس؛ فالأمر يختلف من شخصٍ لآخر، وحتى عند نفس الشخص قد يختلف الأمر من وقت لآخر؛ فالشخص العادي والذي ثقته بنفسه لا بأس بها قد يشعر بالتردد، وضعف الثقة بالنفس نوعاً ما عندما يكون أمام تحدٍ جديد، كأن يكون على وشك الدخول لامتحان مثلاً.

هناك خطواتٌ كثيرة يمكن أن تبني ثقة الشخص في نفسه، واطمئني؛ فأنت بمجرد الكتابة إلينا قد قمت بالخطوة الأولى، وهو أن تشعري أو تقرّي بأنك بحاجة لرفع الثقة بالنفس.

حاولي أن تتعرفي على بعض أسباب ضعف الثقة بالنفس عندك، هل هي طبيعة التربية، أو وجود من يكثر انتقادك؟ لأن هذا مما يضعف الثقة بالنفس، وأحياناً مجرد انتباهك لهذا يمكن أن يحميك من المزيد من الضعف، وتذكري بأنه لا يوجد إنسانٌ كامل، فكل واحد يمكن أن يرتكب أخطاء، فحاولي أن تتعلمي بعض الدروس من أخطائك، وتجنبي الميل للكمال، وأن أمورك يجب أن تكون كلها أفضل ما يمكن، فأحياناً لابد أن نقبل بأقل مما هو الأفضل.

ومما يعزز الثقة بالنفس كثيراً: موضوع تعزيز إيجابياتك ونجاحاتك المختلفة في الحياة، فتعرفي على نقاط القوة عندك، وافتخري بها، هل أنت جيدة في مادة أو مادتين؟ هل تحبين اللغات؟ هل تتحلين بالروح المرحة؟ هل تتقنين هواية فنية من الهوايات؟

اشكري الله تعالى على الدوام على النعم التي أنعم بها عليك، فالشكر على النعم تزيد ثقتك بنفسك {لئن شكرتم لأزيدنكم}، وحاولي أن تكوني إيجابية مع نفسك، ومع الآخرين، وانظري لنصف الكأس الممتلئ، وليس فقط للنصف الفارغ.

إن تقديرك لما عند الآخرين يعزز ثقتك في نفسك، فساعدي الآخرين فيما يحتاجون، وهذا من أكبر أبواب زيادة الثقة بالنفس، وفي نفس الوقت إن مدحك أحد على أمر إيجابيّ عندك، فاقبلي هذا المدح، واشكري الله عليه.

وحاولي أن تعبّري عن رأيك في الأمور، وإذا رأيت التمسك بهذا الرأي فلا بأس، وربما لهذا علاقة بالموضوع الثاني الذي سنذكره وهو الرهاب الاجتماعي.

أما موضوع الخجل أو الرهاب الاجتماعي، وخاصةً خارج البيت؛ فأنت تجدين صعوبة في الكلام مع الناس، ولذلك فقد تتجنبين لقاء الناس، خاصةً عندما تشعرين بالرعشة وضيق التنفس، والتعرق، واحمرار الوجه، وإن تجنب لقاء الناس والحديث معهم لا يحل المشكلة، وإنما يجعلها تتفاقم وتشتد، وتزيد في ضعف الثقة بالنفس والتي تحدثنا عنها، ولذلك عليك العودة للقاء الناس، والاختلاط بهم، وعدم تجنبهم، ولو بالتدريج، وستجدين من خلال الوقت أن ثقتك في نفسك أفضل وأفضل، وستصبح مقابلة الناس والحديث معهم أسهل بكثير من السابق.

ويقوم هذا العلاج الفعال لهذه الحالة على مبادئ العلاج السلوكي، من خلال اقتحام لقاءاتٍ بالناس، وتحمل ما تشعرين به من الانزعاج، وعدم الانسحاب من هذه المواجهة، وإذا طالت المعاناة ولم تتحسني، فلا بأس من مراجعة أخصائية نفسية للحديث معها، ورسم بعض الخطوات العملية السلوكية للتغلب على هذا الخوف.

وفي بعض الحالات الصعبة على العلاج يمكن أن يصف الطبيب أحد الأدوية التي تُساعد على تجاوز مثل هذه الأعراض، والتي يمكن حتى أن تدعم تأثير العلاج السلوكي السابق الذكر.

أما موضوع التعامل مع النت ومع وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد أصبحت مشكلة عند الكثير من الناس، وهناك الآن حديث جديّ عن "إدمان الانت" و"إدمان الفيس بوك" وغيرهما من هذه الوسائل، وهناك أيضاً مراكز متخصصة لعلاج هذا الإدمان، والذي يدخل تحت مسمى "السلوك الإدماني"، وأنا أعمل استشارياً للطب النفسي في واحد من هذه المراكز.

ربما أهم نقطة في قضية إدمان النت ليس كيف تتركين النت؟ وإنما ما هي الأعمال التي ستقومين بها عندما لا تكونين على النت؟ أي ما هي البدائل؟ فطالما لا يوجد عندك شيء مغر، ويشجعك على قضاء بعض الوقت معه، فلماذا تتركين جهاز الكمبيوتر؟ ولماذا تهجرين النت طالما لا يوجد عندك بديل؟ فهذا أفضل من الجلوس هكذا تنظرين في سقف الغرفة!

إذاً: حددي أولاً ما هي الأعمال؟ والأفضل: ما هو العمل الواحد الذي تريدين القيام به عندما تتاح لك فسحة من الوقت؟ هل هو الدراسة؟ وأي مادة، وأي كتاب، وأي فصل..؟ فعندما تحددين المطلوب منك، والعمل الذي تريدين أن تجلسي عليه ساعةً أو ساعتين، عندها يسهل ترك الكمبيوتر، والتفرغ لهذه الدراسة.

وطبعاً هناك أمور أخرى كثيرة يمكنك القيام بها، وأذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر:
- أغلقي الجهاز، وضعيه بعيداً عنك لبعض الوقت.
- اعطي الجهاز لأحد أفراد أسرتك، واطلبي منهم أن لا يعطوكِ إياه إلا بعد ساعتين مثلا أو أكثر.
- اتركي الجهاز في البيت، وحاولي أن تدرسي وتنهي أعمالك في مكتبة الجامعة مثلاً أو المكتبة العامة.
- حددي وقتاً لاستعمال النت، بحيث بعد ساعة مثلاً أطفئي الجهاز -أي لا تنقطعي كلياً عنه، وإنما حددي وقتاً مخصصاً-.
- ادرسي مع صديقة لك، بحيث تلتزمين بالجلوس معها طول مدة الدراسة.
- خصصي يوماً في الأسبوع لا تستعملين فيه الكمبيوتر، وإذا استطعت يمكن أن تجعليه ليومين.
- حددي وقتاً في المساء كآخر ساعة تستعملين فيه الجهاز، فمثلاً: لا استعمال بعد الساعة الـ10 مساءً.
- حددي وقتاً في أثناء النهار بلا جهاز، مثلاً: بين الساعة الـ12 ظهراً، والـ8 مساء، بحيث تكافئين نفسك على الدراسة باستعماله بعد هذه الساعة.

وهكذا ترين أن هناك وسائل كثيرة يمكنك من خلالها أن تنظمي أمور حياتك، بحيث تسيطرين على ظروفك، ولا تجعلي ظروفك تتحكم بك، وربما العنصر الأساسي في نجاح هذه الإجراءات هو صدق العزيمة، واتخاذ الأسباب، وكما يقول تعالى في موقف مشابه عن مدى استعداد الإنسان للقيام بعمل ما يحتاج للصبر والعزيمة {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} [التوبة:46].

أرجو منك الآن، وبعد قراءة جوابي هذا أن تطفئي الجهاز، ولا تعودي إليه إلا بعد ساعتين من الآن، وسترين كيف يمكن علاج المشكلة، ومن نفسك، ولكن لابد من اتخاذ الخطوات البسيطة هذه.
إلا أنه ومع كل ما سبق، فقد استطعت أن تعودي إلى الدراسة، وتدخلي الجامعة وتجاوزت الكثير من العقبات، فأنا مطمئن من أنك ستتابعين تجاوز ما بقي من عقبات وتحديات.

وفقك الله، ويسر لك الخير، وجعلك من المتفوقات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • موريتانيا المخطار

    رائع جدا

  • السعودية فاعلة خير

    السلام عليكم أختي
    أختي لماذا لاتجربين قراءة سورة البقرة يوميا وتوجد هناك. تقنية اسمها الحرية النفسية ابحثي عنها سهلة ويمكن تطبيقها في البيت والأمر لديك سهل لأنك تعرفين الموقف الذي أثر عليك وتغيرت شخصيتك من بعده
    أسأل الله لك التوفيق والسعادة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً