الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي المراهق ضحية للكحول ورفاق السوء وتربية أهلي

السؤال

السلام عليكم

أولا: أحب أن أشكركم جزيل الشكر على ما تقدمون لنا من معلومات قيمة ورائعة، فأنا من أشد المعجبين بموقعكم المفيد، فجزاكم الله كل خير، وجعل ما تقدمون بميزان حسناتكم أضعافا مضاعفة، ورزقكم الله بر أولادكم.

أريد أن أستشيركم بحال أخي المراهق، عمره 17 عاما، ووصل إلى حالة سيئة جدا، والسبب من وجهة نظري أهلي وطريقة تربيتهم المميتة له.

عندما كان أخي في عمر الثامنة تعرض لحادث مميت، ولكن -والحمد لله- كتب الله له عمرا جديدا وحياة جديدة، فقد خرج من هذا الحادث بأقل الأضرار، ومنذ ذلك الوقت بدأ الدلال والاهتمام الشديد به من قبل أمي، فأصبح يخرج متى شاء، ويعود متى شاء إلى المنزل، وتلبي أغلب طلباته بحجة أن الله أنقذ حياته وأعاده لحضنها، وهذه حجة كافية عند أمي لتنفيذ ما يطلبه، وبعد فترة قليلة بدأ وضعه الدراسي يتدهور، وبدؤوا رفاق الشوارع يجذبونه بشدة إليهم، وبدأت المعارك والمشاكل مع أهلي، فلم يمتنعوا عن نعته بأي صفة سيئة وقذرة لعله يعود إلى أصله، وإلى نسب عائلتنا المعروفة بالالتزام والأخلاق العالية.

وكانت كل سنة تمر يلتزم الصمت أكثر ويبتعد عنا وعن أمي وأبي أكثر، فلقد أصبح في بيتنا محطا للسخرية الشديدة والاستهزاء والكسل والكذب بسبب إهماله وأخلاقه الشنيعة، ومصدرا لكل شيء سيء، وفي عز سن مراهقته ترك مدرسته وتعليمه، وبدأت تأتي عليه الشكاوي بأنه يسرق من هنا وهناك، وبدأ أهلي يلاحظون سرقته من أموالهم وحاجاتهم في المنزل، وبدأ يشرب السجائر بكثرة، ويصاحب البنات، وبدأت سمعته تفوح في منطقتنا مما أدى إلى جنون أهلي، فقاموا بضربه ضربا مؤذيا أكثر من مرة، وتوبيخه وطرده من المنزل، وأخبروه أنه لا يتشرف بأن يحمل اسم عائلتنا، إلى أن أصبحوا رفاقه هم كل حياته، هم يفهمونه ويقدرونه، ويهتمون به ويستمعون إليه، فأصبح يذهب إليهم طوال النهار ولا يعود للمنزل إلا بعد أن ننام جميعا، وللأسف منذ فترة أخبرني أحد أصدقائه المقربين أنه أصبح يشرب الكحول وبكثرة.

أنا جدا حزينة من أجله، وأقول دائما أنه ضحية لتربية أهلي، وأنه لا ذنب له فيما يحصل له، أحاول كثيرا أن أتقرب منه لكنه يصدني ويبعدني، فهو لا يريد أن يتحدث مع أحد منا، أراقب منشوراته على الفيس بوك وأراها كلها حزينة ويغلب عليها السواد والوحدة، بذلت جهدي كثيرا في أن أقنع أهلي أن يرافقوه، ويكسبوا محبته وثقته لكن لا فائدة، فهم مقتنعون أنه عاق ولا يعرف بر الوالدين، وأن رفاقه هم من أفسدوه، وأنه إن لم يبتعد عنهم وعن الطريق الذي سلكه، فهو ليس ابنهم.

أرجوكم كيف يمكنني أن أساعده وأخرجه مما هو فيه؟ كيف يمكنني أن أكسب قلبه وثقته؟ فحاله يقطع قلبي، مع العلم أنه يعمل في تركيا، وأنا متزوجة وأسكن في السعودية، وأهلي في سوريا.

وجزاكم الله كل خير، وشكرا لكم من كل قلبي، وجعله الله في ميزان حسناتكم أضعافا مضاعفة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رهف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية نرحب بك -ابنتنا الكريمة- في الموقع، ونشكر لك حسن العرض للمشكلة، واهتمامك واغتمامك لأمر هذا الأخ، ونؤكد أن الأخت لها تأثير كبير، ولا شك أن معاملة الأهل تركت آثارًا سيئة، ونحن نريد أن نقول: مهما كانت العائلة طيبة فإنها ينبغي أن تقف مع أبنائها، وتكون عونًا لهم على الشيطان وليس على العكس، وينبغي أن نجعل هذا الأمر لله تبارك وتعالى، فإن نبي الله نوح ما ساءه أن يكون ولده من الكافرين، ولا إمام الموحدين إبراهيم ما ساءه أن يكون والده من الكافرين، ولا رسول رب العالمين -عليهم الصلاة والسلام أجمعين- ما نقص منزلته الرفيعة أن يموت عمه على الكفر، لأن الهداية بيد الله تبارك وتعالى.

ولذلك نتمنى أن تستمري في التواصل معه، وفي الاقتراب منه، حتى يبتعد عن هذه الرفقة، وكذلك نتمنى أن تستمري في إقناع العائلة والأسرة، لأن هذا الذي يحدث لا يجوز، والهجر لا يصلح مع طفل ليس له انتماء للعائلة، لأنه يصعب عليه الهجر، وفي مثل هذه الحالات فلا يزيد الأمر إلا سوء، وهذا الذي حدث، لأننا إذا هجرنا الطفل–أو الشاب- وعنده جريمة، فإن الأصدقاء سيعطونه عشرات الجرائم الأخرى، فيُصبح العلاج من الصعوبة بمكان، ولا ينفع الهجر في إنسان لا يُبالي بنا، ولكن الهجر ينفع مع الطفل أو الشاب الذي عنده انتماء لأسرته، فإذا طردناه جلس عند الباب يبكي حتى نفتح له الباب، هذا الذي يصلح معه هذا العلاج، وهذا الذي ينبغي أن يمارس معه علاج الهجر والإبعاد، أما ما حصل من العائلة فإنها أخطاء مركبة، وأرجو أن يتقوا الله تبارك وتعالى في هذا الشاب، ولا يمكن أن يتنكروا من قرابته ومن قطعة اللحم التي تربطه بهم، هذه صلة رحم، ولو كان ليس له صلة كان من الواجب أن نقترب منه وأن نجتهد في نصحه.

ولذلك حاولي أن تواصلي، وحاولي أن تقدمي له المساعدات، وحاولي أن تشجعي أفراد الأسرة الآخرين على أن يتعاملوا معه ويتصلوا به ويسألوا عنه، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً