الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعوري بالفشل ألجأني إلى أحلام اليقظة التي أضرت بي، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا متزوجة منذ 16 سنة، ولدي 3 أطفال، تزوجت زواجًا تقليديًا، ولم أكن أعرفه جيدًا بحكم أنه مغترب، وبعد الزواج مباشرة اكتشفت أنه بخيل جدًّا، وبقيت 4 سنوات دون إنجاب أطفال، وأصبحت أشعر بالفراغ، فلجأت إلى أحلام اليقظة، وكنت أشعر بالسعادة، وكثرت أحلامي التي لم أحققها على أرض الواقع، فأصبحت أحققها في حلمي، وهذا ما كان يهون غربتي.

مع الوقت أصبحت أحلام اليقظة أفكارًا وهواجس سلبية، وأتخيل نفسي أني أتشاجر مع زوجي، وأقول له ما أريد قوله في الواقع، فإهماله لي جعلني أصبح أكبر من عمري بـ 10 سنوات، وأصبحتُ إنسانة فاشلة بلا عمل ولا علم، إلَّا قليلًا من الصلاة والأدعية التي تهون علي، علمًا أن زوجي دائمًا يُذكّرني بالفشل، ويقول أني سبب فشله، وأني قليلة السعي، مع العلم أني أعيش في فرنسا.

آسفة على الإطالة، حاولت قدر المستطاع الإيجاز، لكن المساحة المتاحة لا تكفي حتى لسرد المأساة التي أعيشها.

وشكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ويسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، وأن يختار لك الخير حيث كان.

أختنا الكريمة: لا بد من وضع بدهية قبل التطرق إلى الإجابة على السؤال، وهذه البدهية ملخصها في جملتين:
1- لا يوجد إنسان بلا ابتلاء.
2- قلما نجد من يهون من أثر بلائه.

أولًا: الدنيا دار كدر وتعب، والله جعلها كذلك لحكمة، فلا يعرف الصادق من الكاذب إلا بالاحتكاك ووجود المصلحة، ولا يعرف السارق من الأمين إلا بعد الاختبار الدقيق، كذلك الإيمان لا يمكن أن يتحقق في الشخص إلَّا بعد سلسلة من الابتلاءات، والعجيب أن النبي (ﷺ) أخبر أن أكثر الناس محبة عند الله أكثرهم بلاء، وذلك لأنهم صبروا وشكروا وجاهدوا، فارتفعت منازلهم وارتقت درجاتهم.

ثانيًا: كل إنسان مصاب بالابتلاء دائمًا ما ينظر إلى الدنيا الواسعة بعين ما نقص منه إلَّا من رحم الله، فالفقير ينظر إلى السعادة من عين المال، والمريض ينظر إلى الحياة الرغدة من عين العافية، والمحروم الولد يرى أنه قد سلب متعة الحياة ولا يعوضه شيء. كلٌ يبحث عمَّا فقد، وهذا له خطورته من وجهين:

الوجه الأول: أن صاحبه يصاب بالهم والغم، وهذا بدوره يُقْعده عن العمل ويصرفه إلى الكسل، فتتراجع قوته، وتقل معرفته، وتذبل حياته، وهذا هو الحاصل معك أختنا الكريمة.

الوجه الثاني: أنه لن يستطيع أن يبصر أنْعُمِ الله عليه الأخرى إلَّا حين تُفقد منه، لأنه دائم النظر إلى ما فقد لا إلى ما منح، فترى الفقير الصحيح لا يشعر بنعمة العافية إلَّا حين تُسلب، والمريض صاحب الأولاد لا يشعر بهم إلَّا إذا فُقدوا، وهكذا ينتقل من غمٍّ إلى غمٍّ.

ثالثًا: حتى تستردي عافيتك وتبدئي حياتك لا بد من أمرين:

الأول: الإيمان بأن الإنسان لن يسلم من الابتلاء، وأن المحن يجب أن يتعامل المرء معها إمَّا إصلاحًا وإمَّا معايشة.

الثاني: كتابة النعم التي أنعم الله بها عليك من الزواج، والولد، والصحة، والمال، والأمن في الأوطان، وغير ذلك كثير، والبدء ساعتها في تعداد النعم ورؤيتها بعين الشكر، ساعتها ستنعدل الرؤية وتهدأ النفس.

ومن أمثلة الحياة أني أذكر طبيبًا ذهب إليه رجل موسوس، واكتشف الطبيب أن الرجل مصاب بالكلى، وكان يُدرك أنه لو قال له ذلك ستزداد حياته بؤسًا وشقاءً، وإذا لم يخبره سيزداد مرضه، وكان طبيبًا ماهرًا عاقلًا. قال له: حالتك لا تخلو من ثلاثة أمور: إمَّا سرطان وهو أشد الأمور وأخطرها، وإمَّا الكبد وهذا لا نستطيع أن نعالجه، وإمَّا الكلى وهذا أمر متحمِّل ويمكن علاجه، فقال المريض: "يا رب تكون الكلى!"، فلما علم أنها الكلى سجد لله شُكرًا.

فأنظري - أختنا الكريمة - المرض هو المرض لكن زاوية الإبصار لما اختلفت حدث ما علمتِ.

رابعًا: ننصحك بما يلي:
1- ابتعدي عن تضخيم المصاب، فهناك فرق بين الحدث وبين تضخيمه، والتضخيم أحيانًا يكون أشد من الحدث.

2- احصري إيجابيات زوجك بدقة وعناية، واكتبي كذلك سلبياته، وستجدين أن للرجل حسنات يجب أن تُحمد له.

3- احصري سلبيات الزواج وابدئي بالحوار الهادئ بمعالجة الأشد فالأشد، المهم ألَّا تصطدمي معه، وألَّا تقدمي سلبياته إلَّا محاطة ببعض حسناته، فالزوج إذا سمع ما له وما عليه قد يفكَّر بعقلانية.

4- ما يمكن تغييره احمدي الله عليه، وما لا يمكن تعايشي معه بتقليل آثاره عليك.

5- ابدئي من اليوم بوضع برنامج له يشمل الرياضة والتعليم والتربية، واجتهدي أن تشغلي وقتك دائمًا بما يعود عليك بالنفع الفكري أو البدني.

6- الجانب الروحي مهم جدًّا في تحسين المزاج العاطفي عندك، فأقبلي على الصلاة والذكر وقراءة القرآن؛ فإن هذا رافد هام ينفعك الله به إن شاء الله.

7- وضع خطة لأولادك - حفظهم الله - للارتقاء بهم، والإشراف على ذلك بنفسك.

افعلي هذا دون انتظار ثناء أحد أو شكره، وستجدين مزاجك العام قد تغير بعد فترة بسيطة بأمر الله، ولعل هذا التغيير يكون سببًا في تغيُّر زوجك، وما ذلك على الله ببعيد.

نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً